أديس أبابا | لم يكن المشهد مقبولاً حتى للمراقبين المتابعين لمسيرة التفاوض بين الخرطوم وجوبا. طرفا التفاوض يجلسان على طاولتين متقابلتين، تفصلهما أحدهما عن الآخر طاولة جلس عليها فريق الوساطة، في مشهد أعاد إلى الأذهان المربع الأول من تاريخ التفاوض بين البلدين قبل أكثر من عام، عقب انفصال جنوب السودان في تموز 2011. وهو بالفعل ما أكده عضو الوفد السوداني مطرف صديق، الذي عبر عن أسفه أن يصل الأمر بالطرفين إلى أن يجلسا عبر وسيط بينهما، بعدما كنا نجلس في حوار مباشر من دون وسيط.لكنها خطوة يرى الوفد المفاوض لجنوب السودان أنها ضرورية بعدما أعلن من طرف واحد أنه يعلق جلسات الحوار المباشر مع الخرطوم، التي اتهمتها جوبا بشن غارات جوية على أراضيها في ولاية شمال بحر الغزال يوم الخميس الماضي. وهو اتهام نفته الخرطوم، وقالت إن الغارات وقعت بالفعل، لكن داخل أراضيها حين كانت تتعقب أرتالاً من سيارات كان يستغلها متمردو «العدل والمساواة» المتمردة في دارفور.
هذا الوضع لم يمنع حكومة جنوب السودان أول من أمس من طرح وثيقة سمتها «اتفاق حول العلاقات الودية والتعاون بين البلدين» في محاولة لخلق أرضية جديدة للتفاوض. اذ طرحت الوثيقة جميع الملفات العالقة عبر حزمة حلول واحدة عدا الحدود والأمن. وحاول رئيس وفد جنوب السودان المفاوض، باقان أموم، الترويج للعرض بالقول «هذه الورقة إذا قبلتها الخرطوم، فإنها لن تعمل فقط على إنعاش الاقتصاد السوداني، بل ستعمل على خلق فرصة أكبر للسلام والاستقرار بين البلدين وستؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية».
عرض جنوب السودان، الذي تناول أزمة أبيي المتنازع عليها والنفط وبعض القضايا الأخرى، إلى جانب محفزات أخرى اقتصادية، علقت الخرطوم عليها بأنها لم تكن بالجديدة، من دون أن يمنع ذلك من ظهور ارتياح لدى الوفد السوداني المفاوض. وصحيح أن مطرف صديق تحدث عن أن بلاده ترفض أجزاء من الورقة، ومنها ما تقول جوبا إنها متأخرات نفطية على الخرطوم تنازلت عنها حكومة الجنوب، إلا أنه أكد أن من المبكر جداً الحديث عن كل ما حوته الورقة الجنوبية، باعتبار أن بلاده «لا تزال تدرس المقترحات، واحداً واحداً وبالتفصيل». ويرى محللون سياسيون أن المربع الذي دخلته العملية التفاوضية بين الخرطوم وجوبا، قبل انتهاء المهلة الأممية في الثاني من آب المقبل، هو المربع الأكثر تعقيداً في العملية التفاوضية المستمرة بين البلدين. وأوضح الكاتب الصحافي عباس محمد ابراهيم، لـ«الأخبار» من مقر التفاوض «أن البلدين رغم حديثهما عن الذهاب في طريق السلام، إلا أن مواقفهما تأتي بعيدة عن أفعالهم العملية. ونبه إلى أن «الوصول إلى تسوية في أربعة ملفات شائكة، مثل أبيي والحدود والنفط، إلى جانب الأمن لا يمكن حسمها في ما تبقى من وقت، لكن ذلك لا يحجب إمكانية حدوث مفآجات». ويرى إبراهيم أن استراتيجية جوبا، التي بنت عليها توقيت ومضمون ورقتها التي طرحتها ينحصر بين عاملي الوقت الضيق أمام الأطراف والمجتمع الدولي والحاجة الاقتصادية الماسة التي تعانيها الخرطوم بعد خروج ثلاثة أرباع إنتاج السودان من النفط بعد انفصال جنوب السودان. وقذفت جوبا بالكرة في ملعب الخرطوم والوسطاء الدوليين في آن واحد، وعينها على ترحيل ملف الحدود إلى مجلس الأمن الدولي، حيث نص قرار المجلس 2046 بأن ينظر المجلس في قضايا الدولتين ما لم تتجاوزاها قبل الثاني من آب.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي، حاج حمد محمد خير، أن المطلوب الآن من البلدين ليس حسم ملفاتهما المستقبلية بقدر تحليهما بالشجاعة الكافية «للاعتراف ورفع أيديهم عن دعم المجموعات المناوئة للدولتين»، مشدداً على أنه «لا بد للخرطوم وجوبا من حسم صراعاتهما الداخلية بشكل متواز ونزاعهما الحدودي».