رام الله | البنزين تبلغ كلفته 1.85دولار لليتر الواحد، وعلبة السجائر بـ 4.25 دولارات، أما الكهرباء فاستهلاكها العادي يصل إلى 100 دولار شهرياً كحد أدنى؛ السلع الأساسية، كالأرز والسكر الزيت والطحين، كلها سلع غير مدعومة حكومياً، ومع كل ذلك، تُرفع الأسعار مجدداً، وترتفع الضريبة بنسبة 1 في المئة إضافية، لتصبح 15.5 في المئة. وكل ذلك يأتي بعد اتفاق فلسطيني ـــ إسرائيلي لمكافحة التهريب والتهرب الضريبي. تلك عيّنات من الأرقام المعيشية للشارع الفلسطيني، كفيلة بإثارة سخطه على حالة الغلاء الفاحش التي تسود السوق الفلسطيني، بينما رواتب الموظفين بالكاد تُدفع، ودخل الفرد إلى تراجع، وقدرته الشرائية في أدنى مستوياتها، بينما يحتاج كل منزل إلى معيلين اثنين، كي يستطيعا تدبير المأكل والمشرب ليس إلا؛ فلا وجود للرفاهية في هذه الأوضاع الصعبة، وكل ذلك حاصل بعيداً عن الاحتلال ومعاناته اليومية.
رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، أكد لـ«الأخبار» أن هذا الوضع الاقتصادي ليس بالسهل، «ونحن حماية المستهلك طالبنا الحكومة بتحديد الأسعار، لكن الجواب الرسمي كان لا نستطيع تلبية الطلب بتحديد الأسعار؛ لأن هذا يُخل بقانون المنافسة». وأضاف: «بعد مطالبتنا بإشهار أسعار السلع للتسهيل على المستهلك الفلسطيني، وخصوصاً السلع الرئيسية، لاحظنا هروب المواطن الفلسطيني من المحافظات الأغلى سعراً والتوجه إلى المحافظات ذات السعر الأقل. على سبيل المثال، توجه المواطن الذي يعيش في بيت لحم ورام الله إلى شراء حاجاته من محافظات الشمال ذات السعر المعتدل».
وكان طلاب جامعة بيرزيت قد نفذوا حملة «السلة الغذائية»، التي أثبتت أن هناك فروقاً مذهلة بين مختلف المدن الفلسطينية، بحيث وصل الفارق بين بعض السلع نفسها إلى 35 شيكلاً، وهو ما علق عليه هنية بالقول إن «المواطن الفلسطيني أصبح يتجه الى الأسواق الإسرائيلية كسوق «رامي ليفي» الاستيطاني، وهو ما خلق مشكلة جديدة للمواطن وللمنتج الوطني». أما الحل بنظر هنية، فيتمثل في اثنين: «الأول هو وضع أسعار استرشادية، والثاني هو تفعيل الرقابة على السوق الفلسطيني».
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي المقدسي، خليل العسلي، في حديث لـ«الأخبار» أن «الغريب في الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي الجديد، يكمن في أن السلطة الفلسطينية، رغم وجود اتفاق باريس الاقتصادي، غير ملزمة كل ما تقوم به إسرائيل». ومثال على ذلك، يقول إن رفع إسرائيل للضريبة على السجائر، قابلتها السلطة الفلسطينية برفعها في اليوم نفسه، رغم أن السلطة تستورد السجائر «مباشرة» وتستخدم فقط الموانئ الإسرائيلية، وبالتالي إن رفع سعر السجائر، هدفه فقط سد العجز المالي لدى السلطة على حساب المواطن.
ويؤكد العسلي قائلاً: «إننا مقبلون على موجة غلاء إضافية، لأن إسرائيل سترفع الضريبة 1 في المئة اعتباراً من الأول من أيلول، وهو ما ستفعله السلطة كذلك، ما يعني أن جميع السلع الاستهلاكية، والعقارات، فضلاً عن النفط، سترتفع».
وبالعودة إلى الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي، يقول العسلي إن الغريب أنه «جاء في وقت تحتاج فيه السلطة إلى سيولة، فيما إسرائيل أحوج ما تكون فيه إلى اتفاق لتقول للعالم إن هناك اتصالات مع السلطة الفلسطينية، إلى درجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصدر بياناً بعد ساعتين من الاتفاق وأثنى عليه، وقال إنه يعني إمكانية البناء عليه والوصول إلى اتفاقات أكبر مع الفلسطينيين».
ويصف وضع الاقتصاد الفلسطيني «بالمشوه»، فهو اقتصاد يعتمد على المساعدات الدولية والعربية، ويحتاج إلى تقويم، واستراتيجيا، لأنه حالياً يعتمد على سياسة «الترقيع» لتمويل سياسي. وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية تهيّئ الشعب لأزمة جديدة اقتصادياً، وخصوصاً بعد تسريبها لوثيقة سرية إلى الإعلام، تتحدث عن عقوبات يمكن أن تفرض عليها إذا توجهت مجدداً إلى الأمم المتحدة.
ونشرت السلطة وثيقة بينت فيها أنها تتوقع أن تلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل إلى اتخاذ خطوات عقابية ضدها في حال حصولها على مكانة دولة غير عضو في الأمم المتحدة لدى طرح الموضوع للتصويت في الجمعية العامة للمنظمة الدولية في أيلول المقبل. وعزا العسلي نشر هذه الوثيقة، التي أعدتها دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى محاولة للضغط على الدول العربية وتمهيد للمواطن الفلسطيني لما سيكون عليه الوضع خلال الأشهر المقبلة من الناحية الاقتصادية.
وكانت بعض المجموعات الناشطة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ومنها مجموعة «صبايا وشباب فلسطين ضد البطالة والغلاء والضرائب»، قد بدأت محاولات للتحرك. ونشرت إعلاناً يقول: «مطلوب رئيس وزراء» ليحل مكان سلام فياض، وفي نصه: «يعلن الشعب الفلسطيني حاجته لرئيس وزراء ليقوم بالمهام التالية: أولاً، توفير فرص عمل لأكثر من 160 ألف شاب فلسطيني عاطل من العمل، وإلغاء اتفاقية باريس الاقتصادية، ودعم السلع الأساسية لتصبح ربطة الخبر بربع دولار بدلاً من دولار حالياً». وينتهي الإعلان بالقول: «على من يجد في نفسه القدرة، الحضور أمام مجلس الوزراء لتقديم أوراق اعتماده».



كتب أحد الصحافيين على «فيسبوك» رسالة إلى الرئيس محمود عباس يقول فيها: «آسف أن أقول لك إن شعبك تعبان ليس فقط من الاحتلال وجرائمه، ومن الحواجز والاعتقالات والجدار والمستوطنين، بل من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، ورفع الضريبة». وأضاف: «نعلم بأنك تصل الليل بالنهار، لتحقيق حلم الدولة المستقلة، ولتعزيز صمودنا على أرضنا، في ظل تغوّل الاحتلال والمستوطنين، ونعلم بأنك لا تقبل أن ننحدر نحو عيشة الضنك، وهذه رسالة من القلب الى القلب، وآمل أن تجد طريقها اليك».