تونس | لعلها النتيجة الطبيعة لاختلاف الرؤى بين الثلاثي الحاكم وباقي مكونات المشهد السياسي، تلك المخاوف التي تسيطر على المشهد التونسي، إذ أجمعت القوى الأساسية للمعارضة على أن الشرعية تنتهي يوم ٢٣ تشرين الأول حسب المرسوم الذي انتخب على أساسه المجلس، وبالتالي لا بد من البحث عن قاعدة جديدة للتوافق بين كل الأحزاب والفاعلين السياسيين والاجتماعيين. أما الأحزاب التي تؤلف جسم هذه المعارضة فهي حركة نداء تونس والحزب الجمهوري وحزب العمال وحزب المسار الاجتماعي الديموقراطي والاتحاد العام التونسي للشغل وبعض الأحزاب والمنظمات الأخرى.
فما تراه المعارضة لا تراه أحزاب الترويكا الحاكمة، إذ أكدت حركة النهضة أن المجلس التأسيسي هو «سيد نفسه»، وبالتالي «لا سلطة عليه»، وهو الجهة الوحيدة المؤهلة لتحديد موعد لنهاية إشغاله وتنظيم انتخابات جديدة، حسبما أعلن رئيس المجلس مصطفى بن جعفر، خلال افتتاح مؤتمر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. وقال بن جعفر إن «من يتحدثون عن نهاية الشرعية واهمون»، في إشارة الى زعيم حركة «نداء تونس» رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي. أما أعضاء المجلس فقد تباينت آراؤهم بين داع إلى التمسك بموعد ٢٣ تشرين الأول، تاريخاً لنهاية أشغال المجلس، وبين من يرى أن المجلس أمامه وقت طويل للانتهاء من كتابة الدستور.
هذا الجدل القانوني والسياسي جاء نتيجة المرسوم الذي دعا التونسيين للانتخابات، والذي حدد سنة أجلاً لكتابة الدستور وتنظيم انتخابات جديدة، فيما يرى المتمسكون بهذا التاريخ أن عدم التقيد بهذا الموعد هو ضرب أيضاً لشرعية الانتخابات، لأن المجلس كان نتيجة وتجسيداً لهذا المرسوم، وبالتالي فلا يعقل أن نعمل بجزء منه فقط.
كذلك يضيف هؤلاء، وهم أساساً حزب العمال وحركة نداء تونس والحزب الجمهوري وحزب المسار، أن كل الأحزاب، بما فيها النهضة، وقّعت على وثيقة بتاريخ ١٥ تموز ٢٠١١ التزمت فيها بموعد سنة فقط لكتابة الدستور وتنظيم انتخابات جديدة، ولم يعترض على هذا إلا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي طالب منذ البداية بثلاث سنوات كمرحلة انتقالية، ورفض التصويت على الوثيقة.
وأمام رفض المجلس التأسيسي تحديد موعد لانتهاء إشغاله، فتحت أبواب التأويل والمخاوف من استمرار المجلس من دون أي تحديد لنهاية إشغاله، كما لم يحدد الى حد الآن المجلس موعداً لتنظيم الانتخابات، ولم يناقش تركيبة الهيئة المشرفة على الانتخابات، وهو ما عمّق الشعور بانعدام الثقة بين الفاعلين السياسيين. وقد كان لهذه القطيعة تأثير واضح ومباشر على تنامي الاحتقان الاجتماعي والانهيار الاقتصادي.
هذه المخاوف ترجمتها الأحزاب السياسية في مجموعة من المبادرات، منها الحزب الجمهوري الذي دعا كل الأحزاب الى تنظيم حوار وطني حول المرحلة المقبلة واستحقاقاتها. كذلك دعت حركة نداء تونس الى تأليف حكومة فنية بالتوافق بين كل الأطراف السياسية، ودعا الوزير السابق في حكومة بورقيبة منصور معلي الى «هدنة انتخابية» لمدة ثلاث سنوات وتأليف حكومة وحدة وطنية. في كل هذه المبادرات، تبدو مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل الأكثر قبولاً، إذ أشار الاتحاد الى أنه سيعلن يوم ١٥ أيلول الجاري «مجلس الحوار الوطني» الذي سيضم كل الأطراف السياسية والاجتماعية، وذلك من أجل إيجاد قاعدة توافق سياسي، عبر تحديد موعد نهائي للانتخابات وتأليف هيئة مستقلة للانتخابات.
لقد أصبحت الدعوات والمبادرات التي تسعى الى «التوافق» هي السائدة، أمام تواصل الاحتقان الاجتماعي في معظم الجهات، حيث تسود اتهامات صريحة لحركة النهضة بمحاولات إنتاج نفس آليات النظام السابق.