اعلن رئيس المجلس الوطني التأسيسي، الدكتور مصطفى بن جعفر، خلال المحادثات التي جمعته أول من أمس، مع المدير العام للشرق الاوسط وجوار الجنوب في الاتحاد الاوروبي، هيغواس مينغرلي، حرص المجلس على أن يكون مشروع الدستور جاهزاً قبل نهاية السنة الحالية، مؤكداً أنه سيكون توافقياً. وكان بن جعفر قد اشار قبل ايام في العاصمة النمساوية فيينا، إلى أن دستور الجمهورية التونسية الثانية لن يكون الا دستوراً حداثياً ديموقراطياً مدنياً ليبدد بذلك مخاوف الشركاء الأوروبيين من فرض كتلة النهضة لآرائها في تضمين الدستور فصولاً تتناقض مع المبادئ العامة لحقوق الانسان. مسودة الدستور المنتظرة، لم تعجب أحداً حتى من شركاء النهضة في الحكم إذ اتهمت النائبة عن التكتل من اجل العمل والحريات، لبنى الجريبي، رئيس لجنة صياغة الدستور، الحبيب خضر، بتحريفه لبعض الفصول، فيما ذهب بعض أساتذة القانون الدستوري امثال الدكتور عياض بن عاشور ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، العميد عبد الستار بن موسى، للقول بأن المسودة تهدد البلاد بديكتاتورية حقيقية.
كذلك اثار الفصل المتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة ومحاولات تضمينه فقرة لانشاء المجلس الاسلامي الاعلى ومنحه سلطات تنفيذية والفصول المتعلقة بالقضاء والإعلام والمس بالمقدسات، جدلاً كبيراً بين النهضة وبقية الكتل السياسية في المجلس التأسيسي وكذلك مع شركائه.
كذلك أعربت منظمة هيومن راتس ووتش عن استيائها من المسودة التي تضمنت فصولاًَ لا تضمن المساواة بين المرأة والرجل ولا تنص بوضوح على حرية التعبير وهو ما اعتبرت أنه يمكن أن يتحول إلى ذريعة للاستبداد والتمييز بين الجنسين واستهداف حرية المعتقد.
ردود الفعل التي أحدثتها المسودة الدستور دفعت قادة النهضة ونوابها إلى اعتبار المسودة مجرد مشروع لا يحتمل كل الجدل الذي أثير حوله. وأكدوا أن الصيغة النهائية للدستور ستكون توافقية لأنه لن يكون دستور حركة النهضة بل دستور كل التونسيين.
تصريحات قادة النهضة لم تنجح في طمأنة النخب التونسية التي ابدت التخوف من نزوع نواب النهضة وبعض النواب الاسلاميين إلى مقاربات دينية في ما يتعلق بحرية المعتقد والإبداع ومفهوم «المقدس». هذا التوجه جعل العديد من الفاعلين في المجال الحقوقي والثقافي يعبرون عن خوفهم بوضوح من أن يكون دستور الثورة اشد تضييقاً على الحريات بجلباب ديني هذه المرة.
المعركة في تونس اليوم ليست فقط حول موعد الانتهاء من كتابة الدستور ولا موعد الانتخابات، وكلاهما لا يزالان في علم الغيب، بل إن المعركة الاساسية حول مضامين الدستور الجديد، فهل ينجح المجلس التأسيسي في صياغة دستور يلائم التنوع في المجتمع التونسي أم يفشل، ما يضع البلاد أمام احتمالات أخرى؟