دمشق | للمرة الثالثة خلال أقل من أربعة أشهر، تحوّل مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، الواقع جنوب العاصمة السورية دمشق، إلى ساحة للمواجهات الدموية المسلحة بين عناصر من الجيش الحر ووحدات من الجيش السوري النظامي. يحدث ذلك بالتزامن مع سقوط قذائف مختلفة العيارات والمصدر وسط المخيم وعلى أطرافه الجنوبية، المحاذية لما يعرف اليوم باسم «خط النار»، الذي يضم ضواحي الحجر الأسود وأحياء التضامن، التقدم، العروبة، وبساتين يلدا وببيلا. وهي مناطق سبق أن أعلنها الإعلام السوري الرسمي مرات عدة على أنها «مناطق مطهرة من العصابات الإرهابية والعناصر المسلحين التابعين للجيش الحر». عودة المواجهات المسلحة إلى شوارع وأزقة المخيم المختلفة في الأيام الماضية تزامنت مع سقوط عدة قذائف مختلفة الأنواع والعيارات، سقط ضحيتها 45 قتيلاً مدنياً، وعدد كبير من الجرحى، كما توقفت حركة الدراسة والتعليم وعادت حركة نزوح سكان المخيم بأعداد كبيرة إلى خارجه، لكن الجديد هذه المرة هو دخول قوى جديدة في لعبة الحرب والعنف والقتل المتبادل، عندما أعلن الجيش الحر تشكيل لواء «فلسطين» ولواء «العاصفة»، المكون من شباب فلسطيني مناهض للنظام السوري ولسياسة وممارسات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــــ القادة العامة، المقربة والمدعومة من النظام السوري. ويأتي هذا التطور بعدما شكلت الأخيرة عدداً من اللجان الشعبية وحاولت ضبط أوضاع المخيم من الناحية الأمنية، بهدف منع دخول عناصر الجيش الحر.
وهو ما عدّته المعارضة المسلحة في بياناتها «تحدياً واضحاً، وتدخلاً غير مرغوب فيه في الأزمة السورية»، ما تسبب في زيادة حدة المواجهات هذه المرة، وأعطت المعارضة المسلحة المبررات المقنعة لتشكيل الألوية العسكرية من الشباب الفلسطيني، بهدف تحويل الاقتتال داخل المخيم إلى اقتتال فلسطيني- فلسطيني.
قيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فضل عدم الكشف عن اسمه، وصف تورط الشباب الفلسطيني في لعبة الجيش الحر وتحويلهم إلى ميليشيات عسكرية داعمة له «بالقرار المتهور الذي سينعكس سلباً على القضية الفلسطينية». وأكد أن جميع أطراف الصراع في سوريا، يحاولون استثمار قضية اللاجئين الفلسطينيين ومخيمات شتاتهم في سوريا إعلامياً «لكسب التأييد العربي والعالمي لمواقفهم». القيادي الفلسطيني لا يجد سوى تفسير واحد للأحداث الدموية المستمرة حتى الساعة في مخيم اليرموك، بقوله «على ما يبدو جميع أطراف الصراع في سوريا اليوم تريد اشراك الجانب الفلسطيني وتسخيره لخدمتها». وأضاف «النظام السوري فتح مخازن أسلحته لعناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة لإشراكهم في معركته، والجيش الحر نجح في استثمار اندفاع عدد من الشباب الفلسطيني وإدخاله في لعبته أيضاً». ونبه إلى أنه «في كلتا الحالتين الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية. كنا ولا نزال مع المحافظة على سوريا موحدة، ولا نجد حلاً للأزمة إلّا عبر الحوار السياسي، بعيداً عن السلاح والقتل والدم».
تصاعد الأحداث على نحو سريع داخل حدود المخيم، ولّد حالة من الانقسام في الرأي بين سكان المخيم. المتعاطفون مع الانتفاضة السورية يسارعون إلى تحميل النظام السوري والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة المسؤولية عن التفجيرات الحاصلة في المخيم. في المقابل، يقرأ الموالون الأحداث على نحو مختلف تماماً، وعلى نحو خاص سكان المناطق المحاذية لخط النار، الذين شاهدوا بأم أعينهم ممارسات الجيش الحر وأدركوا طبيعته وحقيقته.
وبعد تداول وسائل الاعلام روايات عن قصف أحياء المخيم بصواريخ الطائرات الحربية السورية، واستهدافه بقذائف الهاون بعيارات مختلفة، قدم أبو محمد (67 عاماً)، الذي يقطن في حارة الجاعونة وسط المخيم رواية مختلفة. وقال: «سمعنا أصوات طائرات حربية تحلق في سماء المخيم. حالة من الرعب والخوف سيطرت على الأجواء، بعد انتشار شائعات تقول إن الطائرات تقصف المخيم، لكن حقيقة الأمر أنني شاهدت الطائرات من سطح منزلي وهي تقصف البساتين الواقعة بين المخيم ومنطقة ببيلا المجاورة».
ويوضح أبو محمد، الذي فقد ثلاثة من أفراد أسرته خلال الشهرين الماضيين في أحداث المخيم المتلاحقة، بينهم طفل في العاشرة قتل برصاص قناص، «عاشت مخيمات الشتات الفلسطيني حروباً ومعارك طاحنة على مر التاريخ، لكن لم نشهد أحداثاً دموية مشابهة لما يعيشه سكان مخيم اليرموك اليوم». وأضاف «كلما حاولت الخروج من منزلي، صادفت مسلحين في الشوارع، لا أعرف إن كانوا من الجيش الحر أو عناصر اللجان الشعبية التابعة لأحمد جبريل، أو من الجيش أو الأمن السوري».
من جهتها، سارعت وزارة الخارجية السورية إلى إصدار بيان توضح فيه حقيقة أحداث مخيم اليرموك، بعدما أقدمت جهات سياسية مختلفة، على رأسها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، على استثمار دماء ضحايا أحداث القتل والعنف، لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية. وجاء في بيان الخارجية السورية تأكيد واضح من النظام السوري على الوقوف بحزم «ضد أي محاولة لزج الفلسطينيين بما يجري من أحداث». وأوضح البيان أيضاً أن «ما تعانيه سوريا الآن يأتي بسبب موقفها من القضية الفلسطينية. وأن طريق الفلسطيني الوحيد هو طريق فلسطين والعودة».
بيان آخر أصدرته اللجان الشعبية في المخيم، وقُرأ على التلفزيون السوري الرسمي، جاء فيه «ما يحدث هجوم من عصابات إرهابية على المخيم، ونعلن وقوفنا وتأييدنا التام إلى جانب النظام في سوريا في معركته».
لكن هذا البيان تسبب بزيادة حالة النقمة والغضب لدى العديد من سكان المخيم، الرافضين لممارسات النظام السوري الداعمة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القادة العامة، التي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن أحداث المخيم الأخيرة، بعدما حمل عناصرها السلاح وشاركوا الجيش السوري في بعض عملياته. عن ذلك يقول فهد (27 عاماً) «خرجنا في تظاهرة للاحتجاج على مقتل 14 مجنداً من جيش التحرير الفلسطيني بالقرب من مخيم النيرب، تصدى الامن السوري لتظاهرتنا السلمية هذه بالرصاص الحي وقتل منها 9 شبان، واليوم يفتح النظام السوري مخازن أسلحته أمام عناصر أحمد جبريل. فعن أي تحييد للفلسطينيين تتحدثون؟».