رغم قسوة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عدة أيام، وجذبه أنظار المصريين، تصاعدت وتيرة الأحداث الداخلية لتتلاحق الأزمات التي تحيط بالحكومة والرئيس محمد مرسي. فاجعة تصادم أوتوبيس تلامذة أسيوط بالقطار لم تكن الوحيدة، إذ سجلت مصادمات بين أهالي جزيرة القرصية مع الجيش في القاهرة، فضلاً عن هبوط مؤشرات البورصة المصرية.
إلا أن قمة الهرم في الأزمات تمثلت في الانسحاب الجماعي الذي حدث من الجمعية التأسيسية للدستور.
وجاء أول هذه الانسحابات من خلال الكنائس المصرية الثلاث الممثلة في الجمعية التأسيسية (القبطية – الكاثوليكية – الإنجيلية)، بعد اجتماع بينها أصدرت في أعقابه بياناً أعلنت فيه عدم ارتياحها لما انتهى إليه الدستور حتى الوقت الحالي. ورأت الكنائس أن الدستور لن يعبر عن التعددية في مصر، ولا يحقق المواطنة، واصفة المناقشات داخل اللجنة بأنها لا تعبر عن تراث الدستور المصري.
ومهد البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الذي جرى تجليسه صباح أمس على كرسي مار مرقص، للانسحاب من خلال تصريحات أدلى بها لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، ورأى فيها أن الدستور إذا خرج بالشكل الموجود عليه الآن «فلن يعيش طويلاً». وأعلن رفضه للمادة 220، التي تعد مادة مفسرة لمادة الشريعة الإسلامية، وتنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة». ورأى أن هذه المادة «كارثة»، وتبعد مصر عن طريق الدولة المدنية.
إلا أن القادة المسيحيين أرادوا أن يبعدوا عن أنفسهم تهمة الانسحاب على خلفية ما يمس الهوية فقط، فسارعت مجموعة من الشخصيات لتؤكد أن الانسحاب جاء على خلفية قضايا أخرى تمس القضاء ونسبة التصويت في الجمعية، وشكل تمثيلها للقوى السياسية، ورفض الإسلاميين وضع مادة الاتجار بالبشر.
إلا أن الإسلاميين لم يتأخروا في الرد، وتقدمهم السلفيون الذين هددوا بالسعي إلى حذف المادة (3) من مسودة الدستور، التي تتعلق باحتكام المسيحيين واليهود إلى شرائعهم، بحجة أن الشريعة الإسلامية تضمن ذلك. ويرى السلفيون أن هذه المادة 220 وضعت كتوافق بين أعضاء اللجنة، متهمين الكنيسة بالتراجع عن موافقتها على المادة منذ شهر.
في مقابل انسحاب ممثلي الكنائس، لم ينسحب الركن الثاني من المؤسسات الدينية في مصر وهو الأزهر. وأبدى مفتيه السابق، الدكتور نصر فريد واصل، الموجود بصفته الشخصية في الجمعية، اندهاشه من انسحاب الكنيسة بعد التوافق على المواد 2، 3، 220، فيما لم يصدر موقف رسمي لحزب الحرية والعدالة.
في المقابل، أعلنت القوى المدنية أمس انسحابها من الجمعية التأسيسية على نحو نهائي وتشكيل فريق لصياغة الدستور من المنسحبين ومن القوى المدنية، كما انسحبت المجموعة الاستشارية التي عهدت إليها الجمعية مراجعة مسودة الدستور وإبداء الرأي والتعليق عليها، والتي انسحب منها 8 من أصل 10 أعضاء.
وانصبت كلمات المتحدثين من ممثلي القوى المدنية، وعلى رأسهم الدكتور وحيد عبد المجيد، أحد المتحدثين الرسميين باسم الجمعية، وعمرو موسى، المرشح الرئاسي السابق، على تفنيد أسباب الانسحاب، كالاستياء من طريقة سير عمل اللجنة، والتضييق على الحريات الصحافية. ومن الأسباب أيضاً التوسع في صلاحيات الرئيس، والسعي إلى تمرير دستور يخدم فصيلاً محدداً، ويقف ضد حقوق المرأة والفلاح، ولا يخدم الشعب المصري.
وأكد عبد المجيد أنه لا خلاف على مبادئ الشريعة الإسلامية، لكن الخلاف على الأفكار الطالبانية والوهابية الغريبة عن الشريعة. أما اللجنة الاستشارية، فأكدت في بيانها أن انسحابها لا علاقة له بالانسحابات الأخرى، أو المواقف السياسية أو بأي شيء يتعلق بمواد الشريعة الإسلامية، لكنه متعلق بتجاهل الاستماع إلى مقترحاتها أو تعديلاتها. واتهمت أعضاءً من الجمعية بالسعي إلى إخراج الدستور في أسرع وقت، حتى لو كان منقوصاً.