غزة | بالطبع لم يخطر ببال صغار الحي أن يُعكر صفو إجازتهم الذهبية كائن من كان، فهم أكثر بياضاً من أن تمحو أمنياتهم رائحة الموت والخوف. من أجل ذلك، كان المكان الأقرب للاستمتاع بأيام كهذه ترقّبوها منذ مطلع الأسبوع، هو ملعب الحي القريب من بيوتهم بدلاً من مناطق بعيدة خططوا لها، قد يقلق عائلاتهم الذهاب إليها. هكذا، انطلق الصبية علاء 12 عاماً، سلام 10 أعوام، شادي 9 أعوام للعب كرة القدم، احمرّت وجوههم وتعرّقت من فرط اندماجهم باللعب، بينما كانت الطائرات العدوة تقصف غزة بلا توقف. كانوا، في غمرة لهوهم، يتوقفون لتصنيف الانفجارات: أين وكيف وماذا حدث؟ حيناً، وحيناً آخر يذهبون لتصنيف أنواع صواريخ المقاومة المنطلقة من القطاع، يتوقعون أماكن وصولها كمخضرمين في التفاصيل الجغرافية، فيما يتوقفون هنيهة لتوقع توقيت توقف الهجمات، مستندين إلى مدة الإجازة التي يرغبون في قضائها. شادي يَرغب في إطالتها إلى أقصى وقت ممكن حتى يفلت من اختبارات الرياضيات الصعبة، أمّا سلام فلا يرغب إلا بثلاثة أيام إجازة أخرى، لأنه يشتاق إلى مدرسته كثيراً. أما في بيوت الحي، فتمتزج التحليلات السياسية للأهالي، بأمورهم البيتية الروتينية حيناً، وبقلقهم على أبنائهم الذين انطلقوا إلى الشارع للعب حيناً آخر، فلا تملك أمهاتهم سوى مراقبتهم من نافذة البيت. ويستمر أولئك الصبية باللعب. مشهد يتكرّر كثيراً، نقلته كثير من وسائل الإعلام، بل إن كثيرين تفاخروا بجرأة أطفالهم أمام جبن المستوطنين وخوفهم، الذين يفرون فوراً ليختبئوا داخل الملاجئ. أولئك الصبية ليسوا وحدهم من يلهون في هذه الإجازة الغريبة. الفتيات أيضاً كانت لهن متعتهن الخاصة بالإجازة غير السعيدة، فها هي ملاك (13 عاماً) على غير عادتها، تهتم بمساعدة والدتها في أمور البيت وسط فرحة غامرة بالإجازة غير المعروفة الآخر، لكنّها في منتصف الليل تملّ، فتركض نحو غرفة والدتها تسألها: متى ستتوقف هذه الحرب؟
الحديث عن أطفال غزة وكيف أنّ لهم أسلوبهم الخاص في التعامل مع أحداث كهذه، ليس جديداً طارئاً، بل بات متعارفاً عليه عالمياً. حتى إنّ الكثير من صانعي الأفلام الأوروبيين يأتون القطاع لتوثيق تفاصيل حياة أولئك الصغار، وكأنّهم أبطال أفلام سينمائية فريدة من نوعها، بانتظار أن يأتي يوم ما يُمارس فيه أولئك الغزيون حياتهم العادية مثل باقي الأطفال.