لماذا لم يشكر خالد مشعل سوريا وإيران وحزب الله على وقوفهم إلى جانب غزة، ولتوفيرهم الدعم العسكري المباشر لقوى المقاومة في القطاع؟ تعليقات كثيرة وردت على هذا العنوان مباشرة بعد انتهاء المؤتمر الصحافي الطويل لمشعل في القاهرة. صفحات التواصل الاجتماعي ضجت بالردود المنتقدة لزعيم أكبر حركة مقاومة في فلسطين؛ لأنه كرر مرات عدة شكر مصر وتركيا وقطر لوقوفها إلى جانب أبناء غزة، وإغفاله الإشارة إلى الآخرين، وأنه اضطر في لحظة رداً على سؤال إلى شكر إيران على ما قدمته خلال السنوات الماضية، بعدما أكد وجود خلافات مع إيران بِشأن الموقف مما يجري في سوريا. الذروة كانت في الكلمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء أمس، وتطرق فيها إلى العنوان نفسه، لكن على طريقته. بل هو بدا مستفزاً من عدم إشارة مشعل إلى دور إيران وسوريا على الأقل، بأن استعان بعبارات قرآنية، لإبراز ربما ما هو أكثر من عتب؛ لأن مشعل لم يقم بما يجب في شكر إيران وسوريا، وخصوصاً أنّ هذين البلدين هما من بين كل دول العالم بذلا جهوداً هائلة وأنفقا عشرات ملايين الدولارات، وضحيا بطاقات بشرية لتطوير القدرات القتالية، ولا سيما الصاروخية، لقوى المقاومة في قطاع غزة.
ربما هي المرة الأولى التي يثار فيها مثل هذا العنوان. البعض يعتبر مجرد الإشارة إليه محاولة لتمنين الفلسطينيين بدعم هو في الأصل واجب على كل عربي ومسلم إزاء القضية الفلسطينية. وربما من المنطقي أن يخرج من يقول للسيد نصر الله أو لإيران أو لسوريا، إن مطالبتنا بشكركم تعني أنكم أصحاب مصلحة خاصة في توفير الدعم لنا، وبالتالي فأنتم قمتم بهذا العمل ليس لأنه واجب عليكم، بل للحصول على مقابل، سواء كان شكراً أو غير ذلك. وقد يخرج آخرون يقولون بأنه ليس صحيحاً ما يقال عن دعم إيران وسوريا للمقاومة في فلسطين، وأن ما تحظى به المقاومة من دعم سياسي ودبلوماسي هو أكثر تأثيراً من الدعم العسكري. وبالطبع، سيخرج من يقول: لو أن حماس اليوم ليست على خلاف أو تباين مع إيران وسوريا، لما جرت مطالبتها بموقف الشكر هذا.
في كل الحالات، قد يكون الكلام منطقياً. وقد تصح مساءلة من يطالب حماس بتوجيه الشكر، من زاوية أنه لا يجوز انتظار رضى أو شكر أحد على عمل كهذا إذا كان القائم به هو من يفعل ذلك في سبيل قضية مقدسة. فكيف إذا كان منطلقه عقائدياً وهو يسترضي الله. لكن السيد نصر الله حاول إيجاد مخرج من خلال استخدامه القول الإلهي بـ«وإن شكرتم لأزيدنّكم».
لكن هل يجوز السؤال: لماذا هذا النقاش اليوم؟
رغم أن المواجهة القائمة في القطاع اليوم، توجب الابتعاد عن كل نقطة خلافية، وتوجب البحث عن نقاط التوافق والإجماع، إلا أن المصارحة التي يحتاجها أهل فلسطين، وأهل المقاومة في كل العالم العربي، توجب أيضاً التنبه إلى أن وقف إطلاق النار بين العدو والمقاومة، وهو أمر حتمي قريباً، يجب ألا يكون مقدمة لأشياء أخرى ليست في صلب عمل المقاومة وقضيتها وأهدافها. بهذا المعنى، من المفيد العودة إلى الأسئلة المحرجة لكل من يعتقد أنه يقف مع المقاومة، من دون أن يحترم موجبات الدعم الفعلية لهذه المقاومة.
حتماً، لا شيء يضاهي صمود الناس، وعدم هروبهم أو تخاذلهم أو رفعهم الرايات البيضاء، أو إعلان اعتراضهم على مقاومة ما. وهذا دليل أثبتته حروب لبنان وفلسطين مع العدو. ثم لا شيء يضاهي قيمة الإنسان في المناطق المحتلة، وخصوصاً في فلسطين؛ إذ بإمكان الناس هناك صنع مقاومتهم لو تخلى العالم كله عنهم. ولا يمكن أكبر قوة في العالم أن تصنع مقاومة بالقوة إذا ما قرر الناس العكس.
لكن بما أن بديهية المعركة المفتوحة بين المقاومة والاحتلال تقول بأن المقاومة المسلحة خيار حقيقي وثابت، فهذا يعني أن جانباً كبيراً من النقاش قد استوفى حقه. ويبقى منه المتعلق بالهدف من هذه المقاومة، وآليات الوصول إلى هذه الأهداف.
اليوم هناك إجماع على فشل العدوان الإسرائيلي بعدما نجحت المقاومة في إعداد قدرات صاروخية تصيب مراكز حساسة في قلب العدو. وهذه القدرات هي التي تجعل استمرار الحرب من دون طائل، إسرائيلياً وحتى غربياً. ما يعني ببساطة أن هذه القدرات الصاروخية أدّت الدور الحاسم إلى جانب الإرادة السياسية والقدرات البشرية على إفشال عدوان إسرائيل. وهذا ما يقود إلى استنتاج على شكل سؤال: ما هي الخطوة التالية لقوى المقاومة بعد وقف إطلاق النار؟
هل هي في السعي إلى استثمار مناخات عامة فلسطينية وعربية ودولية للبحث عن مكاسب ذات طابع سلطوي في مقابل هدنة مديدة؟ هل هي في الاستفادة من هذه التجربة لإعادة بناء قوة عسكرية وصاروخية ذات أوزان نوعية من شأنها ردع العدو عن تكرار العدوان؟ أم هي في الركون إلى هذا الانتصار، والسعي إلى هدنة تحت عنوان إعادة بناء البنى التحتية وخلافه، والعودة إلى منطق قائم الآن في المنطقة يقول إن على الشعوب المقهورة انتظار «قوى الربيع العربي» ريثما تنجز تثبيت حكمها هنا وهناك، قبل الانتقال إلى جدول أعمال تكون فيه فلسطين مادة رئيسية؟