وصف موقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي دور الوسيط الذي قام به الرئيس المصري محمد مرسي بالإنجاز الاستراتيجي لإسرائيل، موضحاً أنّه خلال السنة الأخيرة كان مجرد التفكير في خوض حرب في غزة، في ظلّ وجود الإخوان المسلمين في مصر، يثير الرعب لدى القادة الإسرائيليين، تخوّفاً من ردّ الفعل المصري على عملية كهذه. إلا أنّ الواقع الذي أثبتته عملية «عمود السحاب» أنّ حركة الإخوان المسلمين لن تخرج لمساعدة «حماس»، وأنّها لن تكون الدرع الواقية لها، وبدلاً من أنّ تتخذ مصر خطوة عدائيّة في مقابل الهجمات الإسرaائيلية على غزة، أدّت دور الوسيط بين الطرفين.
بدورها، رأت صحيفة «معاريف» أن الرئيس الأميركي باراك أوباما اتصل عدة مرات بالرئيس المصري في محاولة لتعزيز دور مصر كوسيط، كما فعل أغلب زعماء العالم الأمر نفسه، بدءاً من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مروراً بوزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وانتهاءً باجتماع وزراء خارجية الدول العربية في مصر.
وفي السياق، رأى المعلق السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن الإدارة الأميركية تحاول تعزيز المحور الذي يتكوّن من الإخوان المسلمين في مصر والسعودية وتركيا والأردن في الهامش، والسلطة الفلسطينية وإمارات الخليج، في مواجهة المحور الذي يتكوّن من إيران وسوريا وحزب الله، مشيراً إلى أنّ على حماس أمام هذا الواقع المتكوّن أن تختار الحلف الذي تنتمي إليه، إما محور مصر وباقي الدول التي تحظى بدعم أميركي ويؤمّن لها سيادة على غزة، وباباً مفتوحاً على العالم، وحصانة من هجوم عسكري، أو إيران التي وفّرت لها الصواريخ والمال والمدربين. ورأى برنياع أنّه في حال أثبت حلف مصر قدرة على الزعامة والعمل، فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً للسياسة الخارجية الأميركية، وقد يشجّع في سيناريو بعيد المدى قراراً أميركياً بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
ولفت برنياع إلى أنّ إسرائيل ليست جزءاً من هذا التطور لكونها مكروهة في الشارع السنّي والشارع الشيعي. وشدّد أيضاً على أنّ امتحان مصر الأول هو ترويض حماس، واصفاً ذلك بأنّه تحدّ ولكنّه فرصة أيضاً، وأنّ وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تريد تشجيع هذا المسار عبر شيك يبلغ 4,5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
أما المعلق رؤوبين بدهتسور، في صحيفة «هآرتس»، فرأى أنّ الحملة العسكرية الإسرائيلية أدّت إلى تعزيز مكانة مرسي، كنتيجة لم يخطط لها مسبقاً، لكنه أضاف أنّ الأهداف التي أعلنها وزير الدفاع إيهود باراك، وهي تقليل إطلاق الصواريخ وتعزيز الردع وتحسين الواقع الأمني لسكان الجنوب، لم تتحقق، إذ من الواضح أنّ العملية العسكرية لم تؤدّ إلى المسّ بقدرة فصائل المقاومة على إطلاق الصواريخ، إذ تمّ إطلاق أكثر من 1000 قذيفة صاروخية في ستة أيام، وتمّ توسيع دائرة الأهداف لتصل إلى تل أبيب والقدس. أما لجهة الردع، فمن غير الواضح عن أيّ ردع يتحدث ضباط الجيش، في الوقت الذي يجري فيه إطلاق مئات القذائف الصاروخية كل يوم. وشدَّد على أنه في حال كان الهدف إعلان نصر، فقد كان هناك فشل في تقدير تصميم الفصائل المقاومة. والذي توقع أن تفضي الهجمات الجوية إلى إخضاع حماس فقد أخطأ خطأً مطلقاً. وتساءل بدهتسور عمّا سيحصل لو أنّ «حماس» عادت وأطلقت صواريخ قسّام بعد يوم واحد. وأكد أيضاً أنّهم في قيادة الجيش يبحثون بيأس عن «صورة النصر» الذي يُمكِّن إسرائيل من إنهاء القتال من دون أن يُنظر إلى ذلك على أنه فشل لها.
من جهته، أكد المعلق العسكري في صحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، أنّ إسرائيل لم تتمكن من فرض شروطها على حماس من أجل وقف النار، بل أدارت معها مفاوضات من موقع المساومة بين متساويين، وتلقّت حماس، التي طلبت إسرائيل من كل العالم عدم إدارة أي نوع من الاتصال السياسي بها، شرعية لسلطتها في غزة، ولم تتوسل التهدئة ولم تُظهر إشارات انكسار. ورأى أنه إذا كان من الصحيح أن الحملة العسكرية «عمود السحاب» تمكنت من تحقيق تعزيز الردع، فبمستوى قليل فقط، لكنه ليس مضموناً.
وأضاف، بالرغم من أن العملية العسكرية كانت مليئة بالإنجازات التكتيكية للجيش، أكدت أيضاً ضعف إسرائيل والقيود المفروضة على استخدام قوتها، في الوقت الذي لا يمنحها فيه المجتمع الدولي حرية العمل كما في الماضي.
وحذَّر ربابورت من أنه بالاستناد إلى ما جرى، يمكن إيران وحزب الله أن يستنتجا أن مبدأ «اللاتماثلية» يفعل فعله من ناحيتهما، لكونها قادرة على تحقيق التوازن مع التفوق الإسرائيلي المطلق في الجو والتكنولوجيا عبر صليات ضخمة من الصواريخ الموجهة إلى الجبهة الداخلية، وأيضاً عبر صواريخ مضادة للدروع في حال المواجهة البرية.
من جهة أخرى، رأى معلق الشؤون الحزبية في صحيفة «معاريف»، شالوم يروشالمي، أنّ نتنياهو من بين رؤساء الوزراء القليلين الذين لم يسجلوا على اسمهم حروباً أو عمليات كبيرة حتى قبل أسبوع، عندما بدأت عملية «عمود السحاب»، والحادث الحربي الوحيد الذي سُجّل على اسمه كان أحداث النفق في أيلول 1996. وأضاف أنّ نتنياهو أبدى حذراً كبيراً، يتعارض مع صورة الشخصية المتهورة والمتخبطة، إذ لم يعلن أهدافاً بعيدة المدى ولم يطلق تصريحات تفتقر إلى أساس، مثل الحديث عن تدمير سلطة حماس كما حصل عندما كان في أيام المعارضة، انطلاقاً من فهمه أنّه في أيام الانتخابات من الممنوع عليه أن يسقط في فخّ المهمات التي لا يستطيع الالتزام بها.
وعن المفاعيل الداخلية، أكد يروشالمي أنّ الصورة السياسية لنتنياهو في الوضع الحالي تبدو لمصلحته، إذ لن يهاجمه الوسط واليسار الذي دعمه طوال الطريق، بسبب إنهائه المبكر للعملية، كما أنّه لا يوجد لدى معسكر اليمين شخصية كاريزماتية وجدّية قادرة على خوض حملة ضد نتنياهو. أما بخصوص رئيس البيت اليهودي، اليميني المتطرف، بفتالي بنت، الذي يحاول القيام بهذا الدور، فهناك شكّ في كون كثيرين في الدولة يعرفون اسمه.