... وانتصرت المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد ثمانية أيام من العدوان الإسرائيلي المتواصل. استطاعت بصمود أهلها وسواعد مقاوميها وصواريخها التي وصلت الى ما بعد تل أبيب وضربت القدس المحتلة، أن تفرض على العدوّ شروطاً للتهدئة، برعاية مصرية و«شهادة أميركية». خرجت المقاومة من المعركة التي بدأها الاحتلال باغتيال قائد المقاومة أحمد الجعبري، بوضع أفضل مما كانت عليه قبل أن تدخلها، ونجحت في كسر الحصار البري والبحري والجوي عن القطاع، الذي قارب سبع سنوات، وألزمت دولة الاحتلال بأن تكفّ عن أعمالها العدوانية ضدّ القطاع، ومن ضمنها استهداف الأشخاص، بمعنى آخر وقف الاغتيالات. وكان لافتاً أن الاتفاق لم يشر من قريب ولا من بعيد الى مسألة وقف نقل الأسلحة إلى القطاع، ما يدلّ على أنّ الاحتلال لم يستطع أن يحقق ولا نقطة لصالحه، رغم أنه يعتقد أنه حقق وقف إطلاق الصواريخ من القطاع.
بنود الاتفاق سبق أن سُرّبت الى الإعلام أول من أمس، وقيل حينها إن الخلاف كان حول وقف الاغتيالات، والاكتفاء بفتح معبر رفح دون رفع الحصار الشامل البحري والجوي والبري، وكان من المفترض أن تعقد فصائل المقاومة الفلسطينية مؤتمراً صحافياً تُعلن فيه التهدئة، لكن وصول الوزيرة الأميركية هيلاري كلينتون الى المنطقة علّق كل شيء.
ظنّ الإسرائيلي أنّ حليفه قطع البحار ووصل لانتشاله من وحول غزة، لكن خاب ظنّه. اعتقد أنه بتأخير وقف إطلاق النار قد ينتزع تنازلات من المقاومة، لكن الأخيرة استبسلت وضربته في قلب تل أبيب. وجاءت حليفته لتُعلن رسمياً وقف إطلاق النار في مؤتمر صحافي مع نظيرها المصري محمد كامل عمرو، في القاهرة. هذا الإعلان من قبل كلينتون نفسها يعزّز من انتصار المقاومة. فبحسب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إن واشنطن باتت شاهدة على هذا الاتفاق الذي تم برعاية مصرية.
وأعلن وزير الخارجية المصري وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وقال إن الاتفاق تم برعاية الرئيس المصري، آملاً من كل الأطراف احترام التفاهمات، ومشيداً بالجهود التي بذلتها تركيا وقطر. بدورها، قالت كلينتون إن «الحكومة المصرية الجديدة تضطلع بدور قيادي مسؤول في المنطقة»، وشكرت الرئيس المصري على جهود الوساطة. وأضافت أن «واشنطن ستعمل على تحسين ظروف الحياة لشعب غزة مع الالتزام بأمن إسرائيل». وقالت إنها «بعد نقاشها مع الرئيس مرسي والرئيس عباس ونتنياهو، أكد الجميع أن لا بديل من السلام العادل والشامل». وأكدت أنها «ستعمل مع كل الأطراف لتثبيت التفاهمات مستقبلاً».
وكانت كلينتون قد التقت نتنياهو في القدس المحتلة وانتقلت بعدها الى رام الله، حيث التقت عباس. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن عباس أكد لوزيرة الخارجية الاميركية أن «بوابة التوصل الى تهدئة هي مصر التي تبذل جهوداً كبيرة على الدوام في هذا المجال».
وبعد سريان اتفاق التهدئة بساعة، عقد مشعل والأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي رمضان شلح مؤتمراً صحافياً مشتركاً في القاهرة لزفّ النصر. وقال مشعل «ملتزمون بوقف إطلاق النار ما دامت إسرائيل ملتزمة، وإن عدتم عدنا». وأكّد أن «ما حققته المقاومة المباركة في قطاع غزة يعبّر عن إرادة شعبنا الصلبة التي لم ولن تنهزم أمام الآلة الصهيونية مهما كانت قوتها وسطوتها، وفي هذه الجولة مع الاحتلال أبلى رجال المقاومة بلاءً حسناً واجتهدوا حتى أعطوا القاصي والداني دروساً في الشجاعة والاستبسال». وأضاف: «شعبنا كله كان يقاوم، ورغم ما ضحّى به أهلنا في قطاع غزة وما أبدوه من صمود وشجاعة، فإن مدن الضفة كانت معنا بمقاومتها وكذلك أهلنا في الـ48 وفي الشتات، كل فلسطيني في أي مكان كان يقاوم». واستطرد قائلاً « لقد أصررنا على وقف القتال والاغتيالات ووقف الاجتياحات الجوية والبرية والبحرية واستجابوا لكافة مطالبنا بما فيها فتح المعابر».
ورأى مشعل أن «روح ثورة 25 كانون الأول كانت حاضرة في التوقيع على اتفاق التهدئة، وكذلك شهداء ثورة 25». وقال إن «إسرائيل فشلت في كل أهدافها ومراميها، ولقد فشلوا في مغامرتهم وبقيت الصواريخ تضربهم حتى آخر لحظة». وأضاف «والله والله والله منهزمة (إسرائيل) لا محالة... وأقول هذه فرصة لإخواننا في الضفة... اللي صار درس في أن المقاومة هي الخيار».
وأكد مشعل ضرورة إنهاء الانقسام، وقال إن العمل السياسي والدبلوماسي مطروح، ولكن المقاومة أيضاً مهمة لكي تحاور وتفاوض. ودعا السلطة والرئيس محمود عباس إلى سرعة إنجاز المصالحة، وجعل الانقسام «تحت الأحذية، ومرحلة انتهت من حياة شعبنا». وكان لافتاً أنه شكر إيران هذه المرّة، وقال إنها زوّدت المقاومة بالأسلحة.
بدوره، أكد شلح «حق شعبنا في المقاومة». وقال إن «ما حصل للعدو الإسرائيلي هو فشل استثنائي لنتنياهو وحكومته»، وأن «المقاومة انتصرت بكل المقاييس»، وأن «صواريخنا وصلت الى تل أبيب والقدس، وما حدث هو انتصار تاريخي لشعبنا ونضاله ومقاومته، وهي جولات، والجولات سجال بيننا وبين الاحتلال الإسرائيلي». وأثنى على مصر ودورها «في الوقوف مع شعبنا الفلسطيني». وقال «مصر اليوم أقوى من أي وقت مضى». وحيّا وقفة الرئيس محمد مرسي ومدير المخابرات العامة المصرية، رأفت شحاتة.
وفيما طغت الزغاريد وإطلاق النيران ابتهاجاً بالنصر في غزة، على النواح والبكاء في تل أبيب، أقرّ المسؤولون الاسرائيليون بالهزيمة. وعلّقت وسائل الإعلام الإسرائيلية اليمينة على إعلان وقف إطلاق النار قائلةً إن الإسرائيليين تلقّوا الخبر بمرارة، وهم يشعرون أنه تم إنهاء العملية العسكرية دون تحقيق أي انجاز حقيقي، بل على العكس أبدت حركتا حماس والجهاد قدرات على إطلاق الصواريخ حتى تل أبيب والقدس، بينما إسرائيل لم تنجح في وقف تلك الصواريخ. وأكدت وسائل الإعلام الاسرائيلية إن «إسرائيل خضعت لشروط حماس والجهاد، وستوقف سياسة الاغتيالات وسترفع الحصار عن غزة، مقابل وقف «حماس» لإطلاق النار».
زعيم المعارضة ورئيس حزب «كديما» شاؤول موفاز قال إن «فصائل غزة انتصرت في هذه الجولة وإسرائيل هي الخاسر الأكبر». وأعلن كلاً من عضو الكنيست عن اليمين ميخائيل بن أري وأرييه الداد أنّ «وقف إطلاق النار بمثابة رفع الراية البيضاء أمام حماس». وأضافا أنّه «بدلاً من السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل على تدمير حماس والجهاد، خرجت حكومة نتنياهو من هذه الحملة وهي تجرّ ذيول الخزيّ والعار، ودون تحقيق أي هدف من أهداف العملية العسكرية التي خرجت إليها»، مطالبين نتنياهو بضرورة الاستقالة.
مع ذلك، رأى بعض المعلقين أن ما حققته إسرائيل في اتفاق وقف النار هو إنجاز تكتيكي يتمثل في إعادة الهدوء إلى منطقة غلاف غزة، فيما نقطة الضعف الرئيسية في هذا الإنجاز هو عدم وضوح الإطار الزمني الذي يستند إليه، فضلاً عن عدم إشارته إلى أحد المطالب الإسرائيلية الرئيسية، وهو وقف تزوّد فصائل المقاومة الفلسطينية بالسلاح.
كذلك شكّك رؤساء عدد من البلديات في جنوب إسرائيل بجدوى اتفاق وقف النار وقدرته على الصمود. وذكّر رئيس بلدية عسقلان، بيني فاكنين، بوقف إطلاق النار الذي أبرم بعد عدوان «الرصاص المصهور»، مشيراً إلى أن مدينته تعرضت لمئتي صاروخ من بعده.
أما نتنياهو فهرع الى الرئيس الأميركي باراك أوباما للبكاء في أحضانه، وقال له في اتصال هاتفي إنه مستعد لمنح وقف إطلاق النار مع حركة «حماس» فرصة، وفقاً لبيان صادر عن مكتبه. وقال البيان إن «نتنياهو لبّى توصية أوباما بإعطاء الفرصة للاقتراح المصري بإحلال وقف إطلاق النار، وبذلك تُعطى فرصة لاستقرار الأوضاع ولتهدئتها قبل أن تقتضي الحاجة بممارسة قوة أكبر».
إضافة الى زيارة كلينتون، كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حاضراً في المنطقة بدوره، حيث التقى نتنياهو في القدس المحتلة، قبل أن ينتقل الى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني. وكان الأخير قد أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع بان أنه «لسنا في حالة تسابق لنقول إن حماس تعززت أو غير ذلك. المهم في هذه المرحلة وقف العدوان وتحقيق المصالحة والمفاوضات حول قضايا المرحلة النهائية». وبعد رام الله، انتقل بان إلى القاهرة، حيث التقى الرئيس المصري وشهد على إعلان اتفاق التهدئة.
(الأخبار)



نص الاتفاق

أصدرت الرئاسة المصرية بياناً صحافياً أعلنت فيه بنود اتفاق التهدئة، وأنه تم برعاية الرئيس المصري محمد مرسي «ومن منطلق المسؤولية التاريخية المصرية تجاه القضية الفلسطينية وحرصاً من مصر على وقف نزيف الدم وحفاظاً على استقرار الأوضاع والأمن في المنطقة».
وأضاف أن مصر «بذلت جهوداً حثيثة وأجرت اتصالات مكثّفة منذ بدء التصعيد الأخير في قطاع غزة مع كل من القيادة الفلسطينية وفصائل المقاومة والجانب الإسرائيلي والقوى الدولية الكبرى المعنية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حيث أسفرت هذه الجهود وتلك الاتصالات عن التوصل لتفاهمات لوقف إطلاق النار وإعادة الهدوء ووقف نزيف الدم الذي شهدته الفترة الأخيرة، وقد تحددت ساعة وقف إطلاق النار بالساعة التاسعة بتوقيت القاهرة يوم الأربعاء» أمس.
وأثنت مصر على «جهود جامعة الدول العربية، والتحركات التي قامت بها»، كذلك على جهود «كل من تركيا وقطر والسكرتير العام للأمم المتحدة»، ودعت الجميع «لمتابعة تنفيذ ما تم التوصل إليه برعاية مصرية ولضمان التزام جميع الأطراف بما تم التوافق عليه».
ونص الاتفاق على: 1 _ أ. تقوم إسرائيل بوقف كل الأعمال العدائية على قطاع غزة براً، بحراً وجواً بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص.
ب. تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود.
ج. فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية، والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.
د. يتم تناول القضايا الأخرى إذا ما تم طلب ذلك.
2 ـ آلية التنفيذ:
أ. تحديد ساعة الصفر لدخول تفاهمات التهدئة حيّز التنفيذ.
ب. حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه.
ج. التزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات، وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية الاتفاق.