القاهرة | بعد زوال غبار معركة الاستفتاء، تجد الحكومة المصرية نفسها في مواجهة تحدي الاقتصاد المتدهور. وربما كان خفض التصنيف الائتماني السيادي الطويل الأجل لمصر من قبل مؤسسة «ستاندر اندر بورز» وما تبعه من انخفاض فوري في قيمة الجنيه إلى أدنى مستوياته منذ 8 سنوات ( 6.17) هو ما جدد تلك المخاوف. وهوى التصنيف الائتماني الى «-B» وسط تأكيد المؤسسة أن التصنيف معرض لمزيد من الخفض إذا أدى تفاقم الاضطرابات السياسية إلى تقويض الجهود المبذولة لدعم الاقتصاد والميزانية العامة. وفيما تعتمد خطة التعافي الاقتصادية للحكومة على الاقتراض الخارجي في الأساس، فإن خفض التصنيف الائتماني (للمرة الخامسة منذ اندلاع الثورة) سيفرض قيوداً إضافية على الاقتراض من قبيل رفع سعر الفائدة مع ارتفاع المخاطر.
ورأى مدير وحدة العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عمر عادلي، أن خفض التصنيف الائتماني الذي طاول الدين السيادي الطويل الأجل، يعني أن النظرة السلبية العامة للاقتصاد المصري تنطبق على المدى الأبعد، بالرغم من إجراء الانتخابات الرئاسية والاستفتاء على الدستور الجديد، وما قيل إنها تحمله من استقرار سياسي سيفضي إلى ثقة أكبر في الاقتصاد المصري.
وجاء قرار الخفض بعد شائعات عن استقالة فاروق العقدة محافظ البنك المركزي قبل أيام، وتزامنها مع حديث عن احتمال غرق السفينة ووجود تدافع للقفز منها. وكانت تقارير صحافية متتالية قد رجحت أن الرجل اتخذ قراره احتجاجاً على الانخفاض المستمر في سعر الجنيه المصري أخيراً، حتى وصل إلى أدنى حد منذ سنوات بخلاف التدهور غير المسبوق في حجم الاحتياطي النقدي الاجنبي، وهو ما دفع الحكومة إلى الحظر على المسافرين حمل أكثر من عشرة آلاف دولار إلى خارج البلاد، فيما سجل اقبال غير مسبوق على شراء الدولار.
وكان الكاتب السياسي البارز، محمد حسنين هيكل، قد كشف في حوار متلفز عن تحذيرات سابقة من العقدة للرئيس من مغبة استمرار حالة الاضطراب السياسي تلك على الاقتصاد المصري.
وإزاء الانخفاض غير المسبوق في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، قد تكون البلاد على مقربة من ارتفاع قياسي في معدلات التضخم وارتفاع اسعار السلع الأساسية، ولا سيما الغذاء في ظل الخلل في الميزان التجاري المصري الذي يعتمد على استيراد الحاجات الأساسية.
وهو ما يشي بأن الاحتجاجات قد تنفجر مجدداً في وجه السلطة المنتشية بالدستور الجديد، الذي يتضمن مادة أثارت انتقادات واسعة في الأوساط النقابية، بعدما نصت على ربط الأجر بالإنتاج لا بالأسعار.
ووصفت ورقة نقدية قدمها رئيس تحرير تقرير الاتجاهات الاستراتيجية، الباحث أحمد سيد النجار، هذه المادة بأنها تنطوي على «الجهل المطبق»، لأن إنتاجية العامل ليست مسؤوليته بنسبة 99 في المئة، اذ تتحدد الإنتاجية بمدى حداثة الآلات التي يعمل عليها والنظام الإداري الذي يعمل في ظله، والذي توجد به آليات صارمة وعادلة للثواب والعقاب. وضرب النجار مثلاً، مشيراً إلى أنه «ببساطة لو كان هناك عامل يعمل في شركة تكرير نفط وهي تستخدم عمالة محدودة للغاية، مقابل كونها صناعة كثيفة رأس المال، فإنه عند قسمة الناتج منها على عدد العاملين، تظهر إنتاجية العامل ضخمة جداً ويحق له الحصول على أجر مرتفع جداً، رغم أن الانتاج في الحقيقة للآلات». وأضاف: «إذا كان هناك عامل آخر يعمل في شركة غزل ونسيج ويبذل جهداً أكبر من العامل الأول، لكنه يعمل في صناعة كثيفة العمل، وبالتالي عند قسمة الناتج على عدد العاملين تبدو إنتاجية العامل منخفضة، رغم أنه هو المسؤول الرئيسي عن هذه الإنتاجية».
وفي خضم هذا الوضع، أعلنت الحكومة موافقة مجلس الوزراء مبدئياً على مشروع قانون الصكوك الإسلامية. وبغض النظر عن الخلاف في وجهات النظر حول نصوص القانون الجديد بين الحكومة وحزب الحرية والعدالة، فأغلب الظن أن التوجه العام في الحزب الذي ينحدر منه الرئيس يميل إلى إمرار القوانين الاقتصادية عبر مجلس الشورى وعدم انتظار تشكيل مجلس شعب جديد، استناداً إلى الدستور الذي يتضمن منح سلطات تشريعية للمجلس الذي يحظى الإسلاميون فيه بالأغلبية بخلاف ثلث أعضائه المعينين من قبل الرئيس.
الصكوك الاسلامية جوهرها يتمثل في مشاركة المستثمرين للحكومة في تأسيس مشروعات جديدة بما فيها الخدمات العامة والمرافق من قبل محطات المياه والكهرباء، بدلاً من حصول الحكومة على قروض مصرفية «ربوية» من وجهة نظر قطاع كبير من الاسلاميين. إلا أن أخطر ما تمثله هو وجه الشبه بينها وبين الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يعترف به بالفعل أحمد النجار، عضو اللجنة الاقتصادية في حزب الحرية والعدالة.
وأوضح النجار لـ«الأخبار» أن الفارق الوحيد بين نمطي التمويل هو أن تعذر النفاذ للتمويل الاسلامي قد يدفع بالقطاع الخاص، الذي يعتزم مشاركة الحكومة في تمويل المشروعات، للحصول على تمويل تقليدي من البنوك، «وفي حال حصول القطاع الخاص على تمويل إسلامي لمشاركة الحكومة تتطابق الصكوك الإسلامية مع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وفي الحالتين يخرج القطاع الخاص من المشروع بعد فترة من الزمن وتنتقل ملكيته بالكامل للحكومة».
وفيما يؤيد حزب الحرية والعدالة بشدة التوسع في النمطين على السواء، فإن النائب الأول للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين خيرت الشاطر، كان قد وعد قبل الانتخابات الرئاسية بالتوسع في تمويل المشروعات العامة عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وبرر ذلك بأن المستويات القياسية للعجز في الموازنة لا تسمح بتمويل الدولة للمشروعات العامة.
لكن هذا السبب ليس الوحيد، وهو ما أكده النجار بقوله إنه «لا بد أن نعترف بحق القطاع الخاص في شراكته مع الدولة لتحقيق الربح قبل أي شيء»، وذلك في اطار رده بشأن الآثار الجانبية للشراكة بين القطاعين العام والخاص والصكوك الإسلامية من قبيل ارتفاع تكلفة الخدمة حتى في حال احتفاظ الحكومة بحق تسعيرها بعيداً عن القطاع الخاص، لأن الأمر سيتضمن شراء الخدمة بسعر أعلى من القطاع الخاص وبيعها للناس بأسعار أقل، على أن تتحمل الموازنة العامة الفارق، ما يعني ارتفاع فاتورة الدعم.