رام الله | ما إن أعلن اتفاق المصالحة الفلسطينية، حتى أعلنت إسرائيل استنفارها أمام الحدث، وخرجت تصريحات نارية أحياناً، ومتضاربة أحياناً أخرى في كل الاتجاهات. فقد كشفت صحيفة «هآرتس» أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعدّت تقريراً سريّاً يتضمن توصيات الى المستوى السياسي عن النهج الذي ينبغي أن تتبعه إسرائيل عقب تأليف حكومة الوحدة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس».ويفيد التقرير بأن التحرك الفلسطيني الأخير المتمثل باتفاق المصالحة الفلسطينية، إنما يمثّل فرصة استراتيجية إيجابية من شأنها أن تخدم المصالح الإسرائيلية. وتأتي هذه التوصيات متناقضة مع النهج السياسي المعارض لاتفاق المصالحة، الذي يقوده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
تقرير وزارة الخارجية الإسرائيلية رأى أن اتفاق المصالحة لا يمثّل خطراً أمنياً فحسب، بل أكثر من ذلك، فهو يعدّ فرصة استراتيجية سانحة لإحداث تغييرات حقيقية على الساحة الفلسطينية، من شأنها أن تصب في المصالح الإسرائيلية على المدى البعيد أيضاً. وتضمّن التقرير توصية بأن تمتنع إسرائيل عن رفض المصالحة كلياً، وبأن تتبع نهجاً بناءً يسلّط الضوء على التخبطات التي تعتري الفلسطينيين.
ويعتقد القائمون على إعداد التقرير أنه إذا أظهرت إسرائيل موقفاً أكثر إيجابية حيال اتفاق المصالحة الفلسطينية، وأجرت تنسيقاً مسبقاً مع الإدارة الأميركية بشأن ردة الفعل حيال حكومة الوحدة، فإن ذلك سيعود عليها بالخير في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وتضمن التقرير عدة توصيات أخرى، بينها الحفاظ على استمرار التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، «الذي يمثّل مصلحة إسرائيلية وأدى إلى انخفاض دراماتيكي للأنشطة الإرهابية».
في السياق نفسه، بدأ نتنياهو جولة أوروبية من لندن، اجتمع خلالها بنظيره البريطاني ديفيد كاميرون، قبل أن يتوجه إلى فرنسا. وبحسب مصدر سياسي في حاشية نتنياهو، فإنه سيعرض على محاوريه البريطانيين موضوع الشراكة بين الرئيس محمود عباس و«حماس»، باعتبار أن إسرائيل لا يمكنها قبول هذه الخطوة، «نظراً إلى أن حماس تدعو الى إبادة دولة إسرائيل».
وقد برزت مواقف رئيسية عدة في إسرائيل تجاه المصالحة تتلخص في نقاط ثلاث، أولاها، أن هذا الاتفاق سينهار قبل استحقاق أيلول المقبل، أي قبيل توجه عباس إلى الأمم المتحدة للمطالبة بدولة، لذا يجب عدم التدخل لأن «فتح» و«حماس» ستتقاتلان مجدداً. هذا الاتجاه يمثله الكثير من الصحافيين والمحليين وحتى الأكاديميون الإسرائيليون.
أما الاتجاه الثاني، فقد تميّز برفض هذا الصلح ومهاجمته بشدة، دون انتظار تشكيلة الحكومة المؤقتة ومواقفها وبرنامجها، وهذا الاتجاه يتزعمه الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ونتنياهو.
الاتجاه الثالث يريد التريث وانتظار الإعلان عن رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد لحكومة الوحدة، وانتظار برنامجها، لأن الهجوم عليها بعد ذلك سيكون أكثر إقناعاً لأوروبا وأميركا والغرب عموماً، وهو ما خرج عن العديد من الوزراء الإسرائيليين وقادة أجهزة الأمن.
إلى ذلك، وصف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي متان فلنائي اتفاق المصالحة بأنه «ذر للرماد في العيون». وقال «لن يتغير شيء بعد هذا الاتفاق. حماس وفتح لن تتفقا على شيء، وأفضل مثال على ذلك (ما حصل إثر) مقتل أسامة بن لادن»، مشيراً الى التعليقات المتناقضة الصادرة عن الطرفين.
وقال فلنائي إنه يعتقد أن الرئيس الفلسطيني ورئيس حركة فتح «محمود عباس ارتكب خطأً في تمرير هذا الاتفاق لأن حماس في موقف ضعيف، وهذا ما يبرر تقاربها مع فتح». وبرأيه، فإن عباس كان من المفترض أن يشترط «إصدار حماس إعلاناً واضحاً للاعتراف بإسرائيل وإدانة الإرهاب قبل التوقيع».