عندما يأتي الدور لأركان الإدارة التركية ليكتبوا عن الانتفاضات العربية عموماً، وبينها حركة الشارع السوري، تبرز علامات ثقة بالنفس تلامس حدّ الزهو، وهو ما ينال حصّته من الانتقاد، ليس في الصحافة السورية فحسب. أساس الانتقاد يقوم على أنّ الخطاب التركي يتخذ طابع الوعظ، الذي يترجم وقوع بعض الأتراك في فخّ الشعور بجنون العظمة، أو القوة المبالَغ بها، نتيجة ازدياد المكانة الاقتصادية لدولتهم، والنظرة الإيجابية إليها، التي باتت تتمتع بها في المنطقة بعد محطّات سياسية كبيرة، وخصوصاً على صعيد مناصرة القضية الفلسطينية والدفاع عن قطاع غزة المحاصَر وتحدّي إسرائيل...
ويعطي هؤلاء أدلة كثيرة على هذا السلوك التركي «المغرور» و«المتشاوف»، ليس على صعيد الأزمة السورية فحسب، بل أيضاً في كل ما يحصل في الدول العربية وانتفاضاتها الشعبية. ويمكن هنا إيراد فقرة من مقال كتبه إبراهيم كالن، وهو أحد أبرز مستشاري رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، في صحيفة «توداي زمان» بتاريخ 18 أيار الجاري، جاء فيه، ما حرفيته: «إنّ انخراط تركيا في علاقات مع لاعبين سياسيين عديدين في الشرق الأوسط، مصنَّفين من جانب البعض متطرّفين أو حتى إرهابيين، يؤدي دوراً كبيراً في جعلهم فاعلين جداً في الحياة السياسية. ونظراً إلى الوقائع السياسية الجديدة في مصر وتونس والأراضي الفلسطينية ولبنان وليبيا وأماكن أخرى، لم يعد هؤلاء اللاعبون سريّين أو منظمات غير شرعية. ولتبسيط الموضوع، نتحدث عن الإخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة في تونس، وحماس في فلسطين، وجميع هؤلاء سيؤدّون دوراً مهماً وشرعياً في المستقبل السياسي لدولهم. (...) لقد تعرضت تركيا على نحو ظالم للانتقاد بسبب انخراطها مع هؤلاء اللاعبين السياسيين، لكن، لسخرية القدر، فقد أصبحوا الآن جزءاً من النظام السياسي الصاعد في العالم العربي». هو كالن نفسه الذي كان سباقاً من بين الحكام الأتراك إلى تحديد قواعد اللعبة في ما يتعلق بالثورات العربية بالنسبة إلى الدبلوماسية التركية، عندما رأى أنّ تغيير الأنظمة في الدول العربية «ليس مسألة محلية بحتة، بل إقليمية ذات تداعيات عالمية»، معرباً عن قناعته بأنّه ليس على تركيا أن تقترح على العالم العربي اتّباع «النموذج التركي»، بل أن تنتظر العرب لكي يطلبوا اتخاذها نموذجاً. سقف مرتفع من الكلام يرى البعض أنه يعبّر عما سبق لأردوغان أن وضع أسسه في إسطنبول بتاريخ 14 آذار، عندما حدّد الخطوط العريضة التي تضع من خلالها تركيا استراتيجيتها في التعامل مع الانتفاضات العربية، قائلاً إنّ «القائد السياسي الحقيقي هو مَن يمكنه أن يقود بلده نحو الوجهة الصحيحة، وأن يتأقلم مع التغيير. على جميع القادة (العرب) أن يفهموا أنه يستحيل وقف التغيير، والزعيم الذي لا يستمع إلى مطالب شعبه سيُهزَم، آجلاً أو عاجلاً».