رفض التدخّل الخارجي وطالب بحماية دوليّة ورئاسته بالتداول

أصبح للمعارضة السورية قيادتان: الأولى «هيئة التنسيق» تمثل رموز الداخل تمثيلاً كاملاً، والثانية ولدت أمس من إسطنبول بتوليفة بدت إقليمية ــ داخلية تحت لواء «المجلس الوطني السوري». التحدّي بات محصوراً بتوحيد الهيئتين.
بعد مخاض تفاوضي طويل، وُلدت قيادة «المجلس الوطني السوري» من اسطنبول أمس، من دون أن تكون مكتملة الصفوف، بما أن طيفاً كبيراً من معارضي الداخل لا يزال خارجها، وهو ما يرجّح أن يكون عنوان عمل «المجلس» مستقبلاً، إضافة إلى سعيه لنيل اعتراف دولي على نسق ما حصل مع «المجلس الانتقالي الليبي».

الولادة القيصرية كانت أصعب بالطبع لو استمرت المفاوضات مع «معارضة الداخل» المنضوية تحت لواء «هيئة التنسيق الوطني الديموقراطي». غير أنّ العناوين الرئيسية للبيان التأسيسي يمكن أن تترك مجالاً لانضمام أطراف معارضة جديدة، وخصوصاً بعدما أعلن قارئ البيان، المفكر برهان غليون، أنه يتضمن رفضاً قاطعاً لأي تدخل خارجي يمسّ بالسيادة السورية، وإن كان أشار إلى أن ذلك لا يتعارض مع طلب حماية دولية للشعب السوري.
في الخطوط العريضة للبيان التأسيسي، بدا واضحاً السعي الملحّ لواضعيه لنيل تأييد معارضة الداخل أولاً على اعتبار أن نيل الاعتراف الدولي «أسهل». أما بالنسبة إلى الهيكلية التي خرجت بها تشكيلة «المجلس»، فقد أشارت مصادر دبلوماسية في دمشق إلى أنها تعبير عن اتفاق خماسي الأضلاع، أركانه الولايات المتحدة وتركيا والإخوان المسلمون والتيار الليبرالي والقومي. وقد اختير رجل من «الصف الأول» للإخوان ليمثل التنظيم الإسلامي السوري الأكبر، وهو المراقب العام محمد رياض الشقفة. غليون، الذي عانى مؤسسو «المجلس» لاستمالته، نال «شرف» تلاوة البيان والإجابة عن أسئلة الصحافيين في المؤتمر الصحافي الذي أعقب اجتماعات مغلقة دامت يومين في إسطنبول، وهو ما فهمت فيه وكالة «أسوشييتد برس» إيلاءه دوراً قيادياً، بما أن التشكيلة القيادية التي اتفق عليها خلت من منصب رئيس، إذ سيتم اختيار منصب الأخير بالتداول بين الأطراف المكونة التي أوضح غليون أنها بالأساس «الليبراليون والأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الديموقراطي، والإخوان المسلمون ولجان التنسيق المحلية وأكراد وأشوريون».
وفي التفاصيل، أعلن غليون أن «المجلس الوطني» يمثّل «إطاراً موحّداً للمعارضة السورية»، ويضم كل الأطياف السياسية، «ويشكل العنوان الرئيسي للثورة السورية ويمثلها في الداخل والخارج، ويوفر الدعم اللازم لتحقيق تطلعات شعبنا بإسقاط النظام القائم بكل أركانه، وإقامة دولة مدنية من دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي، وهو سيبقى مفتوحاً أمام جميع السوريين الملتزمين بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها». ورداً على سؤال عن السعي إلى الاعتراف الدولي بالمجلس، أكد غليون أن «تشكيل المجلس كان أصعب، والاعتراف الدولي سيكون أسهل. فالدول العربية والأجنبية تنتظر إطاراً (للمعارضة) يتحدث باسمها حتى تؤيده، كبديل للنظام الذي فقد ثقة العالم تماماً». وفيما أكد غليون أنه يتوقع انضمام تيارات سورية أخرى إلى المجلس، فإنه أحجم عن ذكر أسماء أعضاء المجلس الذين يمثلون معارضة الداخل «لأسباب أمنية»، بينما عرف من الأعضاء غليون وسمير نشار رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق والشقفة وبسمة قضماني (الناطقة الإعلامية وعضو الهيئة الإدارية التي أعلنت تشكيل جمعية عامة وأمانة عامة وهيئة تنفيذية للمجلس) والمفكر (الكردي) عبد الباسط سيدا. وشدد غليون على أن المجلس «يرفض أي تدخل خارجي يمس السيادة الوطنية»، وطالب «المنظمات والهيئات الدولية المعنية بتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب، والعمل على حمايته من الحرب المعلنة عليه، ووقف الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام غير الشرعي، عبر كل الوسائل المشروعة، ومنها تفعيل المواد القانونية في القانون الدولي». ودان بيان المجلس «سياسات التجييش الطائفي الذي يدفع البلاد نحو الحرب الأهلية والتدخل الخارجي»، مطمئناً إلى أنه يسعى إلى الحفاظ على وحدة سوريا وعلى مؤسسات الدولة، ولا سيما مؤسسة الجيش». وفي السياق، أفاد مراسل قناة «روسيا اليوم» بأن أعضاء المجلس اتفقوا على القيام بجولة عربية ودولية لنيل الاعتراف بالمجلس تبدأ بالعاصمة المصرية القاهرة.
وحتى مساء أمس، لم يصدر عن مكونات «هيئة التنسيق الوطني الديموقراطي»، الإطار الأوسع لمعارضة الداخل، أي تعليق على الاتفاق على هيكلية «المجلس الوطني»، باستثناء تصريح لعضو «الهيئة»، حسين العودات، الذي رأى، في حديث مع «روسيا اليوم»، أن «توحيد المعارضة، ولو جزئياً، هو أمر مفيد»، قبل أن يستدرك أن «اجتماع اسطنبول لا يمثل المعارضة، لأن معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق الوطني وهي تمثل 15 حزباً سورياً معارضاً، إضافة الى شخصيات وطنية، لم تمثّل في اجتماع اسطنبول أصلاً».
وكان العضو في «المجلس الوطني السوري» خالد خوجة قد أوضح أول من أمس أنه وزملاءه يجرون «مناقشات منذ بضعة أيام مع برهان غليون، ومع أكراد ومندوبين عن العشائر». كما صدر بيان عن «لجان التنسيق المحلية» التي تمثل ناشطين معارضين ميدانيين» أول من أمس، جاء فيه أنه «بعد اجتماعات دامت يومين، شاركت فيها قوى إعلان دمشق وجماعة الإخوان المسلمون والهيئة الإدارية المؤقتة للمجلس الوطني السوري وعدد من القوى والأحزاب الكردية والمنظمة الآشورية والهيئة العامة للثورة السورية ولجان التنسيق المحلية والمجلس الأعلى للثورة السورية والدكتور برهان غليون، اتفق على إنشاء المجلس الوطني على أساس المشاركة المتساوية بين هذه المكونات». وذكرت مصادر دبلوماسية في دمشق أن «تنامي قوة المجلس الوطني السوري ناجم على ما يبدو عن اتفاق بين الأميركيين والأتراك والإخوان المسلمين، واتحاد الاتجاهات الثلاثة: القوميون والليبراليون والإسلاميون».
ورغم أن المجلس، الذي تأسس في إسطنبول أواخر شهر آب الماضي، ونال «ترحيباً» من باريس وواشنطن، يضم في صفوفه 120 شخصية، يعيش نصفهم تقريباً في سوريا، إلا أن ذلك لم يحل دون توجيه بعض أركان المعارضة سهام نقدها إلى أدائه وطريقة عمله واستبعاده لجاناً وهيئات فاعلة داخل سوريا. ورأت وكالة «أسوشييتد برس» في تأسيس قيادة «المجلس» الخطوة «الأكثر جدية لتوحيد المعارضة المنقسمة على نفسها».
(الأخبار، أ ب، أ ف ب)