خاص بالموقع- وضعت طائرة أميركية قبل ثلاثة أيام حداً لحياة أنور العولقي، لينضم بذلك إلى عدد من الأشخاص المرتبطين بتنظيم القاعدة، الذين نحجت الولايات المتحدة في تصفيتهم لاقتناعها بأنهم يمثلون خطراً عليها، فيما جاء مقتله وما رافقه من معطيات ليفتحا فرصة لتسجيل عدد من الملاحظات، أولاها مرتبطة بتوقيت موته وموقف المعارضة اليمنية من الحادثة، وثانيتها تتعلق بالحق الذي تفترض الولايات المتحدة أنها تملكه لتصفية من تشاء وأينما تشاء، وصولاً إلى حد تصفية اثنين من مواطنيها بدون أي محاكمة، أو حتى تقديم إثباتات على مزاعم تورطهم في عمليات تهدد أمنها القومي.
فعلى الصعيد اليمني، كان لافتاً أن وفاة العولقي جاءت بعد أسبوع فقط من عودة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي حاول تحقيق الاستفادة القصوى من مصرع العولقي، بتصوير نفسه على أنه الشريك الذي لا غنى عنه لواشنطن في ملف مكافحة الإرهاب، وهو ما جعل البعض يتشكك في أن صالح ونظامه، اللذين كانا يعلمان على نحو دقيق مكان العولقي وكانت لديهما فرص عديدة لاعتقاله، اختارا التضحية به في هذه اللحظة السياسية التي يواجهها النظام، لعله يكون قرباناً يستطيع من خلاله «الصالح»، كما يحلو لمؤيديه مناداته، أن يستمر في الحكم بمباركة غربية وتحديداً أميركية، أو على الأقل أن يضمن مكاناً لأقاربه إذا طرأ تبدل على طبيعة الحكم في البلاد.
ولا يبدو أن الرئيس اليمني هو الوحيد الساعي إلى توظيف مقتل العولقي لنيل رضى الولايات المتحدة. فالصمت المطبق للمعارضة اليمنية إزاء الحادث على الرغم مما مثله قتل العولقي، من انتهاك للسيادة اليمنية وضرب بعرض الحائط سيادة القضاء اليمني، أظهر أن الأخيرة تسير على خطى صالح. وهي إن تحاول تبرير صمتها بعدم الرغبة في اعطاء الرئيس اليمني، ذريعة للهجوم عليها من باب التعاطف مع القاعدة، وإثبات رغبتها للولايات المتحدة في التعاون في ملف مكافحة الإرهاب، فإنها وقعت في فخ الاستهتار بالسيادة اليمنية على المنوال نفسه الذي كان الرئيس اليمني يعتمده. فلا فارق، إذا كان التفريط بالسيادة لصالح بلد عربي او غربي، لأن المبدأ يبقى واحداً، وهي نقطة سوداء ستسجل على المعارضة وستجعل من ثقة المحتجين بها تتضاءل أكثر فأكثر، ما دامت الأخيرة قد فضلت إرضاء العم سام على السيادة اليمنية، قبل حتى أن تصل إلى السلطة.
وعلى عكس صمت المعارضة اليمنية وتهليل صالح لمقتل العولقي، فإن اغتيال الأخير، الذي كان يواجه حكماً بالسجن في اليمن، وإلى جانبه سمير خان، طرح في الولايات المتحدة تساؤلات عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الإدارات الأميركية المتعاقبة، في ما تسميه محاربة الإرهاب ليس فقط إزاء الأجانب بل مواطنيها أيضاً، بغض النظر عن الأفكار المتطرفة التي نادى بها العولقي ووصلت به إلى حد الدعوة إلى قتل كل الأميركيين من دون أي تفريق بينهم.
وأمام خطورة خطوة الإدارة الأميركية، التي لم يتردد الرئيس الأميركي باراك أوباما في الاحتفال بها، كان لا بد من ظهور انتقادات حادة لها ولبرنامج وكالة الاستخبارات المركزية «سي اي ايه» المخصص لاستهداف المسلحين المنتسبين إلى تنظيم القاعدة وحركة طالبان عبر طائرات من دون طيار، وهو ما سعت الإدارة الأميركية منذ لحظة اغتيال العولقي إلى احتوائه، من خلال إسباغ أهمية مضاعفة على العولقي، وإعلان أنه «مسؤول العلاقات الخارجية لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، إضافةً إلى التأكيد أن مقتله «جاء بموافقة من وزارة العدل».
ومن بين أقسى الانتقادات الموجهة إلى الإدارة الأميركية، رأى الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، حسن إد، أنه «عندما تقتل أميركا أحد مواطنيها من دون محاكمة، فإنها لم تحط من قدرها فقط، لكنها تسلم انتصاراً دعائياً لأعدائها». وأضاف «بتصديق البيت الأبيض على هذا القتل، فإنه يقول للأميركيين في سابقة من قبل الإدارة إنه يتيح قتل مواطنين أميركيين في الخارج دون محاكمة إذا كانوا يعارضون بلدهم للخطر». ورأى أن قرارات كهذه لا يمكن أن تأتي إلّا «بنتائج عكسية لهزم الإرهاب على المدى الطويل»، فيما أقرت الولايات المتحدة بالخطر الذي يمثله مقتل العولقي، الذي وصفه العام الماضي وزير العدل، إريك هولدر، بأنه «تهديد بمستوى بن لادن» على المدى القصير، بعدما لجأت واشنطن إلى اطلاق تحذير عالمي لمواطنيها تطلب منهم فيه توخي الحذر، لأن مقتله «قد يوفر في المدى القريب دافعاً للهجمات المعادية للولايات المتحدة في انحاء العالم من افراد او جماعات تسعى إلى الثأر بعد هذا العمل».
بدورها، أعربت مجموعات حقوقية أميركية، من بينها مركز الحقوق الدستورية، أن سياسة القتل التي تستخدمها الولايات المتحدة، والمتضمنة «استخدام القوة المميتة خارج المسارح المعلنة للحرب، غير قانونية وغير مقبولة»، ولا سيما أن الأخيرة، وبتوكيل من والد العولقي، كانت قد سعت منذ اصدار الرئيس الأميركي أمر الموافقة على اغتياله إلى تمثيله قانونياً لاستئناف القرار، وهو أمر رفضت الإدارة الأميركية منحها الإذن به، منتظرة اللحظة المناسبة لوضع نهاية لحكايته.