كانت صبيحة أمس مغايرة. استفاق أهالي قرية طوبا الزنغرية على واقع جديد، بعدما أضرم مجهولون النار في مسجد النور الواقع على مدخل القرية الواقعة في الجليل الأعلى. عند الساعة الثانية والنصف فجراً، بدأ الدخان يتصاعد من النيران التي التهمت المسجد بكل محتوياته. هرع أهالي القرية إلى مكان الحدث، وأُطفئ الحريق ليُفتضح عمق الجريمة. ظهرت كتابات بالعبرية على بقايا المسجد مثل كلمة «انتقام»؛ كتابات عادةً ما يخطّها مستوطنون بعد الاعتداء. على الرغم من الواقع المنهك الذي تعيشه الأقلية الفلسطينية في الداخل وحساسية العلاقات بين المؤسسة الإسرائيلية والمواطنين العرب وحصول اعتداءات شبيهة في الماضي على أماكن مختلفة، منها الاعتداء على مسجد في مدينة يافا، كان الحدث قاسياً هذه المرّة، وفرض واقعاً جديداً. فالاعتداء على الفلسطينيين وإحراق ممتلكاتهم ومقدساتهم لم يعودا مقتصرين على المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بل وصلت مثل هذه الأحداث بقوة إلى عمق الداخل في الأراضي المحتلة عام 1948. لم تمض أسابيع على إحراق المستوطنين مسجداً في قرية قصرة قرب نابلس، ليتكرّر الحدث في قرية طوبا. تلك القرية التي يسكنها العرب البدو، وجزء من شبّانها، وبنحو لا يمتّ بصلة إلى فلسطينيي الـ48، يخدمون في الجيش الإسرائيلي.
وقد أثارت هذه الأحداث ردود فعل غاضبة في الشارع العربي عامةً. وتجدر الإشارة إلى أنّ وراء الاعتداء رسالة قاسية المضمون، تحمل بين طيّاتها تعزيزاً للعنصرية المتصاعدة في الشارع الإسرائيلي، وخصوصاً في هذه الأيام التي يُحيي فيها الفلسطينيون في الداخل الذكرى الحادية عشرة لأحداث تشرين الأول 2000، التي راح ضحيتها 13 شاباً برصاص شرطة الاحتلال الإسرائيلية من دون أن يقدّم أحد إلى المحاكمة.
أهالي القرية الذين استفاقوا على الحدث خرجوا في تظاهرة تلقائية ضدّ الاعتداء، وسرعان ما تحولت إلى مواجهات بين قوات الأمن الإسرائيلية وأهالي القرية الغاضبين، إذ عمدت شرطة الاحتلال إلى إطلاق القنابل المسيّلة للدموع على المتظاهرين الذين أشعلوا الإطارات وحاولوا الوصول إلى مركز الشرطة الواقع في مدينة «روش بينا» (قرية الجاعونة قبل الـ1948). وفي موازاة ذلك، أعلن أهالي القرية الإضراب في أعقاب الحدث، معلنين أيضاً «يوم حداد».
وتقع قرية طوبا الزنغرية التي يسكنها قرابة 6 آلاف نسمة على مقربة من بحيرة طبريا، وهي أيضاً قريبة من مدينة صفد. ورأى عدد من أهالي القرية أن ما حدث لا يمكن إخراجه من سياق التحريض ضدّ العرب والفلسطينيين، إذ إنّه على مدى شهور مضت تعرّض الطلاب العرب الآتون للدراسة في كلية صفد لحملات اعتداء عليهم، ونادى أحد الحاخامات بعدم تأجيرهم البيوت. كذلك شهدت الفترة الماضية تصعيداً كبيراً من الدولة العبرية لجهة سنّ القوانين العنصرية، بدءاً من قانون النكبة وصولاً إلى قانون «الولاء» وغيرهما الكثير من القوانين التي استهدفت فلسطينيي الـ48 بوضوح، إضافة إلى المظاهر العنصرية التي قادتها بعض الحركات، ومنها تنظيم مسيرات عنصرية تحرّض مباشرة ضدّ العرب، ولعل أبرزها كانت مسيرة طافت شوارع مدينة «بات يام» الإسرائيلية تحت شعار «بنات إسرائيل لشعب إسرائيل».
من جهة ثانية، أصدرت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الداخل بياناً استنكرت فيه الاعتداء على المسجد في طوبا، وقالت إنه يأتي في ظل «استفحال الفاشية ضدّ الجماهير العربية في هذه البلاد عامة، ومنها التحريض الذي شهدته مدينة صفد ضدّ الطلاب العرب الدارسين في كليتها وضد العرب عامة». وحذرّت من أن «هذا الانزلاق الخطير له مدلولات سلبية، وسيكون له انعكاسات سلبية تتحمّل مسؤوليتها المؤسسة الإسرائيلية».
بدوره، قال نائب رئيس الحركة الإسلامية الشمالية، الشيخ كمال خطيب، إنه «لا يمكن فصل حرق مسجد طوبا عن حرق مسجد إبطن قبل سنوات، وعن وضع القنبلة في مسجد الحاج عبد الله في حي الحليصة في حيفا، وعن محاولة حرق مسجد حسن بيك في يافا وإلقاء رأس خنزير فيه، وحرق مسجد البحر في مدينة طبريا».
واستدعت الحادثة العنصرية استنفار حتى المسؤولين السياسيين في دولة الاحتلال، فأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بياناً رأى فيه أنّ حرق المسجد «يتنافى مع قيم دولة إسرائيل، التي بحسبها حرية الدين والعبادة هي قيم عليا». ووصف الصور التي التُقطت للمسجد المحروق بأنها «مقزّزة، ومكانها ليس في دولة إسرائيل».
كذلك أجرى وزير الأمن الداخلي يتسحاك أهرونوفيتش اتصالاً بالمفتش الأعلى للشرطة الإسرائيلية، وأبلغه أن ما حدث هو «عمل إجرامي لا يمكن المرور عليه مرور الكرام»، فيما قررت الشرطة الإسرائيلية تشديد الحراسة على المساجد للحؤول دون تكرار مثل هذه الممارسات مستقبلاً، وأعلن أن الشرطة قبضت على مشتبه فيهم، لكن حتى الآن لا تبدو ملامح القضية واضحة.