تحوّل وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الكبير بالتغيير الاجتماعي إلى هزيمة سياسية وشخصية له عندما رفض معظم وزرائه الاستجابة لمطلبه بالموافقة على توصيات لجنة ترختنبرغ، على الرغم من استخدامه كامل ثقله، الأمر الذي رأى فيه البعض «السنونوة الأولى» التي تبشر بانتخابات مبكرة. تعلم رئيس الحكومة الإسرائيلية بالطريقة الأصعب أن الاحتجاج الاجتماعي على وشك ان يتحول إلى أحد أكبر التحديات السياسية على الحلبة الداخلية خلال الدورة الشتوية للكنيست، بعدما أصر على عرض توصيات لجنة ترختنبرغ للتصويت والمصادقة عليها في جلسة الحكومة التي عُقدت الاثنين، ثم اضطراره إلى التراجع عن قراره وتأجيل التصويت إلى الجلسة المقبلة، إثر اكتشافه عدم توفر غالبية تؤيد موقفه داخل الحكومة. وقد فسّرت الأوساط المقربة من نتنياهو سر إصراره على قرار التصويت بسببين مركزيين: الأول، إظهار أنه مصمم على تمرير توصيات ترختنبرغ من دون تغيير ومن دون تمييع الاحتجاج؛ والثاني منع الابتزاز والمساومات من قبل شركائه الائتلافيين. لكن المفاجأة حصلت عندما لم ينطبق حساب حقل نتنياهو مع حساب البيدر الائتلافي، فكانت النتيجة، بحسب المراقبين والمعلقين في إسرائيل، هزيمة سياسية وشخصية نكراء لنتنياهو، هي الأولى له داخل الحكومة منذ تأليفها.
وإذا كانت نتيجة الساعات التسع من المداولات، التي شهدتها الحكومة الإسرائيلية بشأن تقرير ترختنبرغ، والضغوط التي مارسها نتنياهو على شركائه في الائتلاف قد أخفقت في توفير الأغلبية المطلوبة، إلا أن المفارقة والمفاجأة بالنسبة إلى نتنياهو تمثلت في الموقف المعارض الذي صدر عن وزراء كتلة «عتسمؤوت»، برئاسة وزير الدفاع إيهود باراك، إضافة إلى معارضة ثلاثة من وزراء الليكود لموقف نتنياهو، الأمر الذي ينطوي على كثير من الدلالات، ويُثير العديد من علامات الاستفهام، أهمها السؤال الذي طرحه عدد من المراقبين والمعلقين في إسرائيل حول ما إذا كانت هزيمة نتنياهو داخل حكومته تبشر بانتخابات مبكرة في إسرائيل، وهو ما لمّح إليه أيضاً عدد من السياسيين، من داخل الائتلاف ومن خارجه، ومن أبرزهم عضو الكنيست عن حزب «العمل» إسحاق هرتسوغ، الذي قال إن حكومة نتنياهو وصلت إلى طريق مسدود، اجتماعياً وسياسياً، وأنه يمكن القول إن رائحة الانتخابات تفوح في الأجواء؛ وهذا ما أيده أيضاً نائب رئيس الحكومة، سلفان شالوم، الذي حذّر نتنياهو، قبل التصويت، من إهانة محتملة في الحكومة، ومن مغبة أن يؤدي عدم المصادقة على توصيات ترختنبرغ، إلى تقديم موعد الانتخابات.
ويتعزز هذا الاعتقاد، في ظل الميل الذي عبّر عنه الخبراء في الشؤون الحزبية في الصحف الإسرائيلية، فقد رأى معلق الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، أن فشل نتنياهو في الحكومة لم يكن تقنياً فقط، بل جوهرياً أيضاً، وأشار الى أن هذا الفشل الجوهري يجب أن يُشعل ضوءاً أحمر كبيراً في مكتب نتنياهو، فحواه أنه عشية افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، تبين لرئيس الحكومة أن شركاءه الائتلافيين لا يولونه أهمية ولا يُقدرونه، وأنهم لا يأخذون بالاعتبار مكانته، ولا زعامته والتزامه أمام الجمهور، وأضاف إن الشركاء الائتلافيين لنتنياهو يتطلعون إلى الانتخابات. بدورها، رأت معلقة الشؤون الحزبية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، سمدار بيري، «من المؤكد أنه في مكتبي رئيس الحكومة ووزير المال يجلس هواة واعتباطيون، وإلا كيف يمكن أن نشرح الحرج ـــــ عفواً، الإهانة ـــــ التي تلقاها رئيس الحكومة حين اضطر الى أن يؤجل التصويت على التقرير».