تعز | لم تُخرج الثورة الشبابية في اليمن المرأة من «الجلباب الأسود» وجدران المنزل إلى ساحات الحرية فقط، في ثورة صغرى على العادات والتقاليد التي تحكم بلداً محافظاً لا يزال يفرض الكثير من القيود على حفيدات بلقيس، بل قفزت بها الى مصاف العالمية، بوصفها أول امراة عربية تحصد جائزة نوبل للسلام.وبالطريقة نفسها التي جعلت الثورة المستمرة في اليمن العالم يذكر اليمن بما هو بلد صانع لثورة سلمية، لا «مصنع للتطرف»، فقد أعادت المرأة اليمنية، الاعتبار إلى بلد ذائع الصيت بقمع الحريات إلى الواجهة، بعدما دخلت التاريخ من بوابة السلام، بحصول الناشطة السياسية توكل كرمان أمس على جائزة نوبل للسلام، لدورها في الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ أشهر. جائزة يؤكد كثير من المحللين اليمنيين، أن المشهد المغاير الذي ظهرت به المرأة اليمنية وصمودها في وجه آلة القمع الوحشي، لعب دوراً رئيسياً في اعتراف العالم بدورها. فخلال مشوار الثورة، شكلت توكل كرمان، إلى جانب عدد من الناشطات في صفوف الثورة، قوة ضاربة استطاعت أن تترك بصمات واضحة في مسيرة الثورة، أبهرت المجتمع اليمني والعالمي، بعدما صمدن في وجه كل وسائل العنف والقمع التي مارسها النظام ضدهن في محاولة فاشلة لثنيهن عن المشاركة في التظاهرات ضده.
وأبرزت الثورة الشبابية عدداً من الوجوه النسائية في الثورة الشبابية في عدد من الساحات. ففي صنعاء كانت حورية مشهور التي أوكلت إليها مهمة الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني، إلى جانب كل من توكل كرمان، والناشطات أروى عثمان، وأمل الباشا، نبيلة الزبير، هدى العطاس، وميض شاك، نادية الكوكباني، بلقيس اللهبي، سامية الحداد، سامية الاغبري، ماجدة الحداد، والدكتورة أروى عون التي جابت عدداً من ساحات الجمهورية، وغيرهن الكثيرات من أبرز الوجوه النسائية اللواتي لازمن الساحات على مدار الأشهر الماضية.
أما ساحة الحرية في تعز فقدمت ثائرات جدد، كبشرى المقطري، شفيقة القدسي، إشراق المقطري، مها الشرجبي، بسمة عبد الفتاح، ألفت الدبعي، بلقيس العبدلي، والمحامية معين سلطان، وكثيرات من منتسبات الاحزاب المحافظة والاسلامية. هؤلاء الناشطات كانت لهن بصمات كبيرة في الدعوة إلى الدولة المدنية وترسيخ مبادئها من خلال تشكيل عدد من التكتلات المدنية التي دعت الى التحرر من وصاية الاحزاب. وبعدما جعلت المرأة من نفسها رقماً لا يستهان به في صناعة مستقبل اليمن، الذي قيّد الجهل والعادات والتقاليد، طموحاتها، وجاءت الثورة في الوقت المناسب لتثبت «تاء التأنيث»، حضورها في بلد مغمور كاليمن، قرر النظام مواجهتهن متجاوزاً كل الخطوط الحمر المرسومة سابقاً.
فقبيل اندلاع الثورة اليمنية ضد نظام صالح، كان رجال الأمن يتعاملون مع المرأة، على أنها «خط أحمر»: التعرض لها في نقاط التفتيش «عيب ومشين»، وانتهاك للأعراف والتقاليد. لكن «الامتيازات» تلك سرعان ما زالت، بعدما فاجأت النساء اليمنيات النظام الحاكم بتصدرهن للصفوف المنادية برحيله، ما دفع كثيرين إلى وصف حملات القمع التي لا تفرق فيها القوات بين رجل وامرأة، بـ«السقوط الاخلاقي» لصالح، الذي يفوق أهمية سقوطه سياساً، بوصفه مؤشراً إلى فقدان الحكمة، ودليلاً على ترنح ما قبل السقوط الكلي.
وفي محافظة يمنية كـ«تعز»، يدرك النظام أن المرأة لا تقل خطورة عن الرجل، ولذلك وجّه قواته ومسلحيه المدنيين الذين يوصفون بـ«البلاطجة»، بتوزيع عادل للعنف في القمع: للأنثى مثل حظ الذكر. مسلسل القمع الوحشي بدأ في الواحد والثلاثين من شهر أيار الماضي، بعد محرقة ساحة الحرية بيومين، حيث قام عدد من قوات مختلفة من الأمن العام والمركزي، بالاعتداء على 70 امرأة وناشطة حقوقية، كن قد تجمعن في شارع وادي القاضي، من أجل الانطلاق في مسيرة وسط المدينة، ليدشن مرحلة عنف لا تستثني أحداً.
لم تتوقف الاعتداءات عند ذلك، فالنساء في هذه المدينة، نلن ما هو أكثر من المطاردة، والضرب بالهراوات، حيث قمعت عدد من المسيرات النسائية وسط المدينة بقنابل الغاز. وفي كلية الآداب القريبة من مبنى إدارة امن المحافظة، حاصر جنود طالبات الكلية اللاتي خرجن في تظاهرة تطالب بسقوط النظام أمام بوابة الكلية، ليُسمح لنساء مواليات تم استقدامهن من أحياء قريبة، برشق الطالبات بالاحجار، والتلفظ ضدهن بألفاظ بذيئة.
كذلك تتذكر الناشطات رش المشاركات في احدى التظاهرات بمياه ساخنة تم خلطها بمادة «الكربون» الحارقة، حيث قامت قوات مكافحة الشغب بتوجيه خراطيم المياة الى رؤوس الفتيات، ما أدى إلى إصابة ناشطات بحروق في اليدين والوجه.
أما العنف اللفظي ضد شابات الثورة السلمية في محافظات تعز وصنعاء وعدن، فحدث عنه ولا حرج. اذ تولت وسائل اعلام النظام منذ بداية الثورة، قذف المرأة، والتشهير بتواجدها في الساحات، وفبركة مقاطع مصورة تطعن في شرفها. الا أن النظام اليمني أخطأ في حساباته، اذ ان القمع المتزايد من قوات النظام للتظاهرات النسائية لم يؤثر باستمرار تواجد المرأة في الساحات، بل كان له أثر عكسي في ازدياد أعدادهن. وفي السياق، تقول بشرى المقطري، وهي من الناشطات في ساحة الحرية بتعز، «المرأة قمعت خلال مسيرة الثورة بكل الوسائل. طاردونا في الشوارع والأزقة، ونزعوا خمار احدى النساء، كما وجهوا الينا ألفاظاً بذيئة»، وتضيف «رغم القمع، كانت إرادتنا كانت تزداد قوة». وأضافت «في تعز فقط، تخرج النساء في تظاهرات مشتركة مع الرجال صباحاً، وتخرج مسيرات للنساء فقط في فترة العصر».



اسهامات لا تحصى

الكاتب الصحافي حسن عبد الوارث، أوضح في حديث لـ«الأخبار» أن الدور السياسي والحقوقي والتحريضي والتنويري والإعلامي للناشطات اليمنيات، وفي مقدمتهم توكل كرمان، في مواجهة مظالم هذا النظام ومفاسده والتصدي لها بعنفوان جامح كان سباقاً للثورة الشبابية الشعبية، مشدداً على أن السطور لا تكفي لذكر ملاحمهن ولو على نحو عابر.
ويضيف «تجاوز نطاق إسهام النساء المجال التعبيري التنويري الى كل المجالات الصحية والتربوية والقانونية والخيرية والتنموية والاجتماعية»، ولذلك فإن اختيار احدى النشاطات لنيل جائزة عالمية، وفقاً لما تؤكده الناشطة سناء الشرعبي لـ«الأخبار» «سيكون دافعاً قوياً للمرأة في صف الثورة، وتكثيف المشاركة في العمل السياسي»، وخصوصاً أن «العالم كرّم المرأة اليمنية بجائزة قديرة، فيما نظام صالح كرّمها بالقمع».