أخيراً، استطاعت السلطة الفلسطينية، أمس، الحصول على عضوية كاملة في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو). خطوة تحمل بين طيّاتها إنجازات وتساؤلات بشأن ما ينتظر الفلسطينيين في التصويت بمجلس الأمن بشأن الاعتراف بدولتهم، وإلى أي مدى سيؤثر هذا الحراك الأممي الإيجابي المؤيّد للفلسطينيين على القضية في نيويورك. وقد كان هذا التصويت مناسبة جديدة لتكشف الولايات المتحدة فيها عن عنجهيتها؛ فما كاد التصويت ينتهي، حتى نفّذت واشنطن تهديداتها، معلنةً وقف تمويل «اليونيسكو»
، وهو ما كشفت عنه المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند، قائلةً «كان مقرراً أن نسدّد 60 مليون دولار لليونيسكو في تشرين الثاني، لكننا لن نسدّد هذا المبلغ»، علماً بأن مساهمة واشنطن في «اليونيسكو» تصل إلى 22 في المئة، أي نحو 80 مليون دولار سنوياً.
وفي تفاصيل الحدث التاريخي، أعلن رسمياً، أمس، من باريس، حصول السلطة الفلسطينية على عضوية «اليونيسكو». وفيما كان الفلسطينيون بحاجة إلى ثلثي الأصوات من أصل 193 صوتاً، فإنهم حصلوا على 107 أصوات مؤيّدة، فيما عارضت الاقتراح 14 دولة وامتنعت 52 أخرى عن التصويت. أبرز المعارضين كانت الولايات المتحدة وألمانيا وكندا، بينما كان لافتاً امتناع إيطاليا وبريطانيا عن التصويت، وجاء الصوت الفرنسي لمصلحته، ما مثّل دعماً أوروبياً ضرورياً. كذلك كان لافتاً تصويت كافة الدول العربية والأفريقية والأميركية اللاتينية تقريباً لمصلحة القرار. وقد لقي التصويت اهتماماً دولياً وإسرائيلياً كبيراً على حدّ سواء، وخصوصاً أنَّ ما جرى في «اليونيسكو» يُعتبر من الناحية النظرية «استطلاعاً حيّاً» لما يمكن أن تحصل عليه السلطة الفلسطينية إذا طرحت عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقد أثار انتصار الفلسطينيين في «اليونيسكو» ردود فعل غاضبة في تل أبيب. فقد استغل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو افتتاح الدورة الشتوية للكنيست ليشنّ هجوماً ضد «الخطوات الأحادية» للسلطة الفلسطينية. وقال إن «كل اتفاق سلام يجب أن ينطوي على ترتيبات أمنية»، مشيراً إلى أن الفلسطينيين «يواصلون رفضهم لإجراء مفاوضات مباشرة، وبدلاً من الجلوس حول الطاولة، اختاروا عقد حلف مع حماس والمضي بخطوات من جانب واحد، بما في ذلك ما حصل اليوم (أمس)». وفي نبرة تهديدية واضحة، حذّر من أن حكومته «لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الخطوات الأحادية الجانب التي تمسّ إسرائيل». تهديد آخر صدر عن المندوب الإسرائيلي لدى المنظمة الدولية، نمرود بركان، الذي أكّد أن الدول التي صوّتت لمصلحة انضمام فلسطين، مثل فرنسا، «سيخفّ نفوذها لدى إسرائيل»، واصفاً التصويت بأنه «تراجيديا» و«يوم حزين». واعترفت وسائل إعلام عبرية بأنّ الولايات المتحدة اجتهدت للحؤول دون حصول السلطة الفلسطينية على عضوية كاملة في «اليونيسكو»، وبأنّ هذه الضغوط لم تُجدِ. بدوره، لفت المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إلى أن الموافقة على منح الفلسطينيين العضوية الكاملة في «اليونيسكو» «أمر سابق لأوانه، وتؤتي نتائج عكسية من شأنها أن تقوّض فرص استئناف عملية السلام».
وفي الجانب الفلسطيني، احتفل الرئيس محمود عباس بالحدث، على اعتبار أنه يمثّل «انتصاراً للحق والعدل والحرية والسلام والاستقلال الفلسطيني»، شاكراً كل الدول التي صوّتت لمصلحة هذا الانضمام، وفق ما نقله عنه الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة. أما المعاني السياسية، فقد اختصرها عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، نبيل شعث، بالقول إن الخطوة «اختبار للتصويت المقبل في مجلس الأمن». فلسطينياً أيضاً، رحّبت «حماس» بـ«الخطوة الإيجابية»، وفق المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري.
وبرّرت أبرز الدول التي صوّتت لمصلحة الدولة الفلسطينية، أي فرنسا، قرارها باعتبار أن «لفلسطين الحق في أن تكون عضواً في اليونيسكو التي تعتبر مهمتها الأساسية تعميم ثقافة السلام في قلب المجتمع الدولي». وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية أن انضمام فلسطين إلى المنظمة «ينسجم مع منطق اقتراح الرئيس نيكولا ساركوزي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 أيلول الماضي»، في إشارة إلى اقتراح ساركوزي أن تمنح الأمم المتحدة الفلسطينيين وضع دولة مراقب مع تحديد جدول زمني مدّته عامان لعملية السلام في الشرق الأوسط للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود والأمن، في مقابل عام للتوصل إلى اتفاق نهائي.
وفي معسكر المرحّبين أيضاً، سارعت مصر إلى تهنئة الفلسطينيين على الإنجاز. وأوضح وزير الثقافة المصري عماد أبو غازي أن الحدث «يمثّل خطوة مهمة في مسيرة الشعب الفلسطيني»، معرباً عن أمله بوصول فلسطين إلى الخطوة التالية، وهي الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. كلام مشابه أطلقته وزارتا الخارجية الجزائرية والتونسية.