تبحر المبادرة الخليجية، التي نصت على انتقال السلطة في اليمن ومرحلة انتقالية من عامين، طريقها بشق الأنفس منذ الثالث والعشرين من الشهر الماضي، تاريخ توقيعها في الرياض، في ظل وجود عدد من التحديات الماثلة أمام السلطات اليمنية، الواجب عليها معالجتها للحيلولة دون انزلاق اليمن من جديد إلى أتون الفوضى. مسؤولية لم تعد تقع على عاتق حزب المؤتمر الشعبي العام منفرداً. فبعدما كان حتى وقتٍ قريب يصنف على أنه الحزب الحاكم والمسؤول الوحيد عن شؤون البلاد وعبادها، ارتضت المعارضة السياسية ممثلةً بأحزاب اللقاء المشترك، بموجب المبادرة الخليجية، بالتقاسم بالتساوي مع حزب المؤتمر الشعبي المقاعد الوزارية، لتبصر حكومة الوحدة الوطنية النور. أما نجاحها فيبقى رهن التطورات المتواصلة التي تخضع لها الساحة اليمنية كل يوم.
توقيع المبادرة لم يوقف اعتداءات النظام نهائياً على المحتجين، وإن أبعدها عن صنعاء ليركزها على تعز، التي كانت ولا تزال معقل الاحتجاجات البعيدة عن سيطرة وهيمنة أحزاب المعارضة التقليدية. وهو ما جعلها تتحول ليس فقط إلى أحد رموز الثورة بل إلى معقد آمال المحتجين بأن ينطلق من المدينة حراك تصحيحي يعيد الزخم إلى الفعل الثوري وليس المساومات السياسية التي أدخلت المعارضة اليمنية نفسها فيها وجعلت نفسها، وفقاً للمعتصمين، رهينة مرحلة انتقالية سيعيشها اليمن على مدار سنتين مفتوحتين على جميع الاحتمالات.
فالتحديات السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية المتعددة، والأسلوب الذي تختاره الحكومة لمعالجتها كفيلة بتحديد مستقبل اليمن، وهي إما ستنتقل به إلى مرحلة جديدة يتخللها اعادة بناء الدولة التي غابت في متاهات القبلية والاستئثار بالسلطة، وإما يجد اليمن نفسه مهدداً ليس فقط في وحدته، بل أيضاً أمام خطر تحوله إلى دولة فاشلة لتتحول بذلك تهديدات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في السابق عن صوملة اليمن إلى حقيقة مرة.
ولتجنب السير باتجاه السيناريو الأسوأ، فإن الحكومة اليمنية مطالبة بتحرك عاجل وعلى أكثر من صعيد. التحدي الابرز، والأكثر إلحاحاً، إلى جانب تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين بما في ذلك الكهرباء، يتمثل في اعادة ارساء الاستقرار الأمني إلى صنعاء وتعز، اللتين تحولتا خلال الأشهر الأخيرة إلى معقل للاحتجاجات السلمية منها كما المسلحة. وهو استقرار يتطلب في الدرجة الأولى أن تنجح اللجنة الأمنية المنوط بها سحب المظاهر المسلحة في تحقيق أولى أهدافها لتنتقل في ما بعد للعمل على اعادة الوحدة إلى الجيش بعد الانشقاق الذي اصابه نتيجة الاحتجاجات. مهمة تحمل بدورها ما يكفي من المخاطر لأن الفشل سيعني استمرار الانقسام في الجيش الواحد، والانتشار المسلح في الشوارع لتصبح الحكومة رهينة للأطراف العسكرية في معسكري صالح وأقاربه واللواء المنشق علي محسن والمؤيدين له.
كذلك، تلقى على عاتق الحكومة الجديدة مهمة اقناع المحتجين على أنها تملك القدرة على تحقيق مطالبهم، وليس اجهاض ثورتهم بعدما بات البعض ينظر إليها في الشارع على أنها وقعت في فخ النظام وتعاملت مع الأحداث على أنها أزمة لا ثورة، وأنها تخلت عن دماء الشهداء في مقابل الحصول على مجموعة من الحقائب الوزارية لتضفي الشرعية على استمرار نظام صالح، بعدما أدخلت على تركيبته بعض التعديلات غير الجوهرية، ليتمكن الأخير بفعل حنكته السياسية من الحصول في نظر المحتجين على مخرج مشرف. كذلك جعلته المبادرة الخليجية محصناً من أي ملاحقة قانونية، ما اكسبه مزيداً من الثقة تدفعه باستمرار إلى اصدار التوجيهات للأجهزة الرسمية، وكأنه لا يزال الرئيس الفعلي متغاضياً عن أن المبادرة قد حولته إلى رئيس شرفي، الأمر الذي يبرر من وجهة نظر المحتجين ضرورة بقائهم في الساحات ضمانةً لعدم اقدام صالح على اي خطوة متهورة جديدة وسط دعوات ليس فقط لإسقاط المبادرة الخليجية بل واسقاط الحكومة المنبثقة عنها.
وفي ظل هذه الأوضاع، فإن معالجة الملف الأمني والاستياء الشعبي، مهمة لا بد منها لتمهيد الطريق أمام معالجة ملف القضية الجنوبية، أكثر الملفات السياسية تعقيداً. ففي الجنوب، تدرك الحكومة أن المطالبات بفك الارتباط باتت متصاعدة في ظل تزايد مشاعر التهميش والاقصاء لدى أبناء الجنوب. وجاء اطلاق القيادي في الحراك الجنوبي، حسن باعوم، المعروف بتبنيه الواضح لخيار انفصال الجنوب، بعد تأليف الحكومة الجديدة، ليشير بوضوح إلى رغبة الحكومة في التواصل مع شخصية جنوبية تؤثر وتعبر عن صوت الشارع، ولا سيما أن قيادات الجنوب في المنفى، لا تملك رؤية موحدة للحل، الذي يراوح بين المناداة بالفدرالية والانفصال الفوري. كما لا يبدو أن أياً منها قادر على توحيد مختلف الشرائح الجنوبية خلف أحد المطلبين.
على المقلب الآخر، وتحديداً على مقربة من الحدود السعودية، تبرز معضلة الحوثيين في صعدة وجوارها وخلافاتهم المستمرة مع محيطهم القبلي إلى جانب اختيارهم عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، في تعبير واضح عن عدم رضاهم عن المبادرة الخليجية. وهو استياء ترجم في هجوم عنيف عليها من قبل زعيم جماعة انصار الله عبد الملك الحوثي، بتأكيده أنها لم تبلور إلا لحماية النظام وإجهاض الثورة. إلاّ أن هذا الموقف لم يمنع الحوثي أول من أمس من لقاء المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، جمال بن عمر، الهادف إلى ضمان تنفيذ المبادرة من خلال استيعاب الأطراف الرافضة لها، والتأكيد له على استعداد جماعة أنصار الله لتشكيل حزب سياسي في ديموقراطية حقيقية، في اشارة واضحة إلى أن الحوثيين مستعدون للانخراط أكثر في العملية السياسية متى ما تهيأت الظروف المناسبة لذلك، والتي يقع على عاتق الحكومة، لا سواها، توفيرها لهم، بل وللعديد من الشرائح اليمنية الأخرى.



هادي لتجاوز المراحل الصعبة


ترأس نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (الصورة) أمس اجتماعاً للجنة العسكرية والأمنية المعنية باستقرار في اليمن بحضور مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر. وقال هادي، في كلمة بثها التلفزيون اليمني، «إن تشكيل اللجنة جاء كضرورة ملحة لتحقيق غايات وطنية ذات أهمية قصوى وبناءً على المبادرة الخليجية وآليتها التي يضع اليمنيون على عاتق هذه اللجنة آمال كبيرة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار». وعبر عن أمله في «تجاوز المراحل الصعبة ومفترقات الطرق وتحقيق الأمن والسلام في ظل الديموقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة والحفاظ على حقوق الإنسان»، لافتاً إلى أن «وزارة الداخلية تتحمل المسؤولية الأمنية، على أن تبدأ السبت المقبل عملية تنظيف واسعة للشوارع والطرقات وفتح الطرقات المقطوعة أينما وجدت وإصلاح أنبوب النفط وإعادة التيار الكهربائي من محطة مأرب الغازية إلى المدن اليمنية».
من جهته، عبّر المبعوث الأممي جمال بن عمر عن سعادته لما أنجز في طريق تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2014 والمرتكز على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مؤكداً أن «الوضع في اليمن اليوم على جدول أعمال مجلس الأمن باعتبار أمن اليمن مهم جداً على مستوى العالم».