أُعيد خلط الأوراق مجدداً على صعيد الأزمة السورية على أكثر من صعيد؛ فمن ناحية تأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي كان مقرراً عقده في القاهرة اليوم، والذي سيقتصر على لقاء تشاوري لأعضاء اللجنة الوزارية العربية المكلفة متابعة الأزمة السورية في الدوحة، برزت معلومات تفيد باحتمال موافقة أعضاء اللجنة المذكورة على الشروط السورية الموضوعة على نصّ بروتوكول المراقبين العرب المقرَّر إرسالهم إلى سوريا. أما على جبهة مشروع القرار الروسي المفاجئ الذي يدين العنف «من قبل كافة الأطراف» في سوريا، فقد اختلفت تفسيراته، وسط ما بدا أنه ارتباك غربي في التعاطي مع فكرته بالتزامن مع نفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنباءً عن زيارة وشيكة لنائب الرئيس الروسي فاروق الشرع إلى موسكو. وذكرت مصادر مقربة من الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لموقع «شام برس» أمس أنّ اجتماع اللجنة الوزارية العربية المعنية بحل الأزمة السورية في الدوحة، «يتجه إلى اعتماد الورقة السورية والتعديلات التي طلبتها دمشق» على نص بروتوكول المراقبين، وخصوصاً في ما يتعلق بالتنسيق مع السلطات السورية، وإلغاء العقوبات العربية المفروضة على دمشق، والتراجع عن قرار تعليق العضوية في الجامعة. وفي السياق، تحدثت مصادر فضائية «العربية» عن «أنباء عن توجه وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى الدوحة اليوم لتوقيع بروتوكول المراقبين».
وكان نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد بن حلي قد أعلن، أول من أمس، وجود جهود تهدف إلى الوصول لصيغة بمقتضاها توقّع الحكومة السورية بروتوكول بعثة مراقبي الجامعة. وفي السياق، نفت السفارة السورية في مصر إرسال مبعوث رسمي سوري إلى القاهرة لمناقشة الوضع في سوريا، وهو ما كانت صحيفة «الخليج» قد أكدت حصوله، مشيرة إلى أن هذه الشخصية هي ميخائيل سليم كاسوحة، المستشار في مجلس الوزراء السوري، وذكرت أنه «رد مهم من النظام السوري على المبادرة العربية».
على صعيد متصل، ظلّ مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن حدث يوم أمس، مع كشف وكالة الأنباء الروسية «إيتارتاس» عن نبأ زيارةٍ لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع لموسكو «حيث يجري مباحثات مع المسؤولين الروس بهدف إنهاء الأزمة التي تشهدها سوريا، فيما قالت مصادر سورية «رفيعة المستوى» لموقع «شام برس» إنّ الزيارة «ستجري في وقت لاحق قريب، ويلتقي خلالها الشرع كبار المسؤولين الروس، ومن بينهم رئيس الحكومة فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف». لكن سرعان ما نقل موقع «روسيا اليوم» عن لافروف نفيه أي زيارة وشيكة يقوم بها الشرع لموسكو.
وبخصوص مشروع القرار الروسي، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن إدارتها مستعدة للعمل مع روسيا بشأن مشروع القرار الذي قدمته إلى مجلس الأمن، رغم أنه بنصه الحالي «يتضمن عناصر لا نستطيع دعمها». وأشارت كلينتون خصوصاً إلى وضع مشروع القرار، كلاً من قوات الأمن السورية والمعارضة «على قدم المساواة» من حيث المسؤولية عن العنف في البلاد. إلا أن الوزيرة الأميركية أردفت قائلةً: «سندرس مشروع القرار بدقة، ولا بد من إشراك الجامعة العربية في درسه، وخصوصاً أنها تتصدر الرد على ما يحصل في سوريا»، خاتمة بـ«نأمل أن نتمكن من العمل مع الروس الذين يعترفون أخيراً ـــــ للمرة الأولى ـــــ بأن هذه المسألة تحتاج إلى الدرس داخل مجلس الأمن». اعتراض ردّ عليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش بالجزم بأن موسكو «لن تغير موقفها من هذه النقطة»، في إشارة إلى وضع السلطات السورية ومن يستخدم السلاح من معارضي النظام في الخانة نفسها.
وبعد مسارعة المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة، جيرار أرنو، إلى الترحيب بحرارة بالنص الروسي، واصفاً إياه بـ«الحدث العظيم»، عادت باريس إلى التشديد على أن النص «يحتاج بالطبع إلى الكثير من التعديلات؛ لأنه غير متوازن، إلا أنه أساس نتفاوض عليه». ورأت وزارة الخارجية الفرنسية أن على مجلس الأمن، في اجتماعه المقرر اليوم السبت، أن «يدعم جهود جامعة الدول العربية لحل الأزمة في سوريا».
ميدانياً، كان الأبرز على الصعيد المعارض ارتفاع نقمة المتظاهرين على الجامعة العربية؛ إذ بدا أنّ قرار تأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي كان مقرراً اليوم أثار اعتراضاً واسع النطاق، بدليل أن تظاهرات يوم أمس، جاءت تحت عنوان «جمعة الجامعة العربية تقتلنا». وقدّر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عدد متظاهري أمس في حمص وحدها بـ«أكثر من مئتي ألف شخص»، مع إشارة «لجان التنسيق المحلية» إلى سقوط 18 قتيلاً «على أيدي القوات الأمنية» بين حمص ودرعا وريف دمشق. غير أن مراسلي وكالة «سانا» في المحافظات نقلوا عن مصادرهم أنه لم يسقط قتلى أو جرحى «رغم قيام المجموعات الإرهابية المسلحة باستهداف قوات حفظ النظام في بعض المناطق».
كذلك تعرضت سكة القطار في مدينة دير الزور شرق البلاد «لعمل تخريبي أدى إلى جنوح عربتين من دون وقوع أضرار»، وفق «سانا». وأفصح مصدر سوري رسمي لـ«سانا» أيضاً عن اشتباك قوات الأمن السورية «مع مجموعة إرهابية مسلّحة حاولت اقتحام مستشفى القصير في حمص قرب الحدود مع لبنان، وتمكنت من صد الهجوم وقتل 17 مسلحاً، بينهم رئيس ما يسمى تنسيقية القصير»، مع تسجيل الوكالة الحكومية حصول «مسيرات حاشدة منددة بالتدخل الخارجي في الشؤون السورية»، في كل من دمشق وحلب وطرطوس والحسكة والسويداء وحمص.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)