لكأن قضيّة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، والتورّط المحتمل للرياض في هذه الجريمة، جاءا ليطلقا العنان للإعلام الأميركي، الذي يواصل الإضاءة على مسائل تتعلّق بالسعودية، من كل حدب وصوب، خصوصاً تلك التي ترتبط بالعلاقة المتشابكة بين واشنطن والرياض. و من آخر ما جرى التركيز عليه في هذا الإطار، هو النفوذ السعودي المتنامي في واشنطن، والذي يتمثّل بشكل رئيسي بضخ الأموال لدى جماعات الضغط المؤثرة في مختلف المؤسسات الأميركية الرسمية. من هذا المنطلق، أفردت صحيفة «واشنطن بوست»، أمس، تقريراً مطوّلاً عن هذا النفوذ، وعن اضمحلاله في الأسابيع الأخيرة، في ظل أزمة مقتل خاشقجي. الصحيفة شرحت ما حققته الأموال السعودية الطائلة التي ضُخّت لدى جماعات الضغط، خصوصاً في الأعوام الأخيرة. وأشارت، في هذا المجال، إلى الضغط من أجل تعديل قانون محاسبة الحكومة السعودية بسبب أحداث 11 أيلول، والضغط من أجل منع تمرير قوانين تمنع بيع السلاح للسعودية على خلفية عدوانها على اليمن، إضافة إلى غيرها من الأمور التي قامت بها السعودية على مدار الأعوام الماضية.
وبحسب الصحيفة، كثّف السعوديون من جهودهم، خلال العامين الماضيين، لتعزيز العلاقة مع الولايات المتحدة. وقد عزّز اللوبي السعودي هذه الجهود، تحديداً بعد نكسة كبيرة في خريف عام 2016 ــ أي بعد نجاح عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول بالحصول على حقّها بمحاسبة الحكومة السعودية، بسبب «دعمها المزعوم» للهجمات.
«واشنطن بوست» أوضحت، أن «إنفاق المملكة على أعمال الضغط في الولايات المتحدة، التي انخفضت من 14.3 مليون دولار في عام 2015 إلى 7.7 مليون دولار في عام 2016، عادت لترتفع إلى 27.3 مليون دولار، خلال العام الماضي، وفقاً لسجلات عامّة». بالتوازي، جرى تسجيل أسماء أكثر من 200 شخص ضمن مجموعات الضغط تلك، على أنهم «وكلاء عن مصالح السعودية»، خلال عام 2016.

«القوة السعودية تخضع لاختبار حاسم»
ولكن الصحيفة تشير، في المقابل إلى أن «القوّة السعودية تخضع الآن للاختبار، وسط الإدانة العالمية لمقتل خاشقجي». وقد أعلنت مجموعة من مراكز الأبحاث وجماعات الضغط، أنها لن تقبل بالأموال السعودية بعد الآن. لكن بحسب «واشنطن بوست»، «ليس من المعروف بعد ما إذا كان ذلك يمثل نقطة تحوّل في علاقات واشنطن بالرياض، أو مجرّد تهدئة قبل أن تعود الأعمال إلى طبيعتها».
في هذا السياق، تشير الصحيفة إلى مجموعة من جماعات الضغط التي أنهت عملها لمصلحة السعودية. مثال على ذلك، كل من مجموعة «بي جي آر»، وهي شركة أسّسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور، ومجموعة «ذي غلوفر بارك»، التي أسسها استراتيجيون ديموقراطيون، بمن فيهم جو لوكهارت وكارتر إيكوو. رودجرز وإيسكو كلاهما يكتبان مقالات في صحيفة «واشنطن بوست». وقد أعلنت شركتاهما، الأسبوع الماضي، أنها ستتخلى عن تمثيل السعودية. كذلك، أخبرتهما صحيفة «واشنطن بوست» بأنهما لا يمكنهما مواصلة الكتابة لديها، والاستمرار في أعمال الضغط لمصلحة السعودية.
فضلاً عمّا تقدم، الأموال السعودية ــ والتمويل من قبل حلفائها المقرّبين، أي الإمارات العربية المتحدة ــ تدفّقت على معاهد الأبحاث في واشنطن، بما فيها «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، ومعهد «بروكينغز»، و«معهد الشرق الأوسط». هذه المعاهد الثلاثة أعلنت الأسبوع الماضي، حسب «واشنطن بوست»، أنها «تنهي أو تعيد النظر في المنح المالية السعودية».
من بين هذه المعاهد الثلاثة، التي استفادت من الأموال السعودية، كان «معهد الشرق الأوسط»، الذي روّج لنفسه على أنه «مصدر غير متحيّز للمعلومات والتحليلات عن المنطقة الحرجة». بين عامي 2016 و2017، تلقّى المعهد ما بين 1.25 مليون دولار و4 ملايين دولار، ضمن تمويل المصالح السعودية، وفقاً لسجلاته العلنية. وفي عام 2016، تلقى المعهد 20 مليون دولار من الإمارات، وذلك لتجديد مراكزه.
يوم الجمعة الماضي، أعلن «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» أنه لن يواصل الحصول على منحة من الحكومة السعودية مقدارها 900 ألف دولار، وذلك في مقابل توفير التدريب على تطوير المهارات للسفارة السعودية في واشنطن.
أيضاً خلال الأسبوع الماضي، أخبر معهد «بروكينغر» موقع «بازفيد»، أنه سينهي منحة البحث الوحيدة التي حصل عليها من السعوديين.
في غضون ذلك، تعيد العديد من المؤسسات النظر، في علاقاتها مع السعودية. وبالنسبة لمراكز الأبحاث، وأيضاً بالنسبة للجامعات والمتاحف، فإن «أخذ المال السعودي سوف يترك وصمة عار لبعض الوقت في المستقبل»، وفق ما أشار إليه دانيال بنجامين، مدير إحدى الجامعات، والذي كان قد عمل في معهد «بروكينغز» و«مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية».