دبلوماسي فرنسي عمل في أبو ظبي، قال لزميله اللبناني إن مشكلة أبو ظبي مع الرياض مثل مشكلة لبنان مع سوريا قبل عام 2005. حينذاك، لم يكن بمقدور القيادة اللبنانية القيام بأي خطوة ذات بعد استراتيجي من دون الحصول على موافقة دمشق. وها هي الإمارات تنتظر موافقة الرياض على أي مبادرة. ومتى تصرفت من تلقاء نفسها ارتفع الصوت في قصر اليمامة... لكن في الإمارات يتجنّبون رفع الصوت. وأكثر المتضررين هو محمد بن راشد، الذي يشعر بضيق الأمور على دبي، فهو من جهة يبدو مكبل اليدين، ويرى بأن بن سلمان يريد منافسة إمارته على وجه التحديد، وأن محمد بن زايد لا يفعل له شيئاً.
واضح أن قيادة الإمارات كانت تأمل بعلاقة مختلفة مع الرياض بعد تولّي محمد بن سلمان أمور البلاد، تصرف محمد بن زايد على أن ولي العهد السعودي سيكون شريكاً كبيراً في مشروع توسيع نفوذ دول الخليج في المنطقة والعالم. وتعامل معه على أساس أنهما يمثّلان العقل الجديد للجزيرة العربية. تحالفهما يتجاوز الإضرار بخصمهما الأول تميم بن حمد في قطر، بل يشمل تركيا أيضاً. ولذلك وضع بن زايد ثقله في تطوير العلاقة الشخصية مع بن سلمان، الى أن حصل فجأة ما غيّر الأمور.
يقول الدبلوماسي الغربي: فجأة، تغيرت الأحوال. صار بن سلمان يتصرف بطريقة مختلفة. وما إن أنجز عملية استيلائه على كامل السلطات في بلاده، ونجح في إطاحة خصومه من العائلة وخارجها، حتى صار يتصرف مع بن زايد بطريقة مختلفة.
ولفت الدبلوماسي نفسه الى أن الرياض استاءت من أداء الجانبين الإماراتي والمصري في قضية قتل جمال خاشقجي لأنها كانت تتوقع أن يقفا الى جانبها بقوة. وهو أمر تظهره وثائق سرية حصلت عليها «الأخبار». واللافت أن سلوك الدبلوماسية الإماراتية تجاوز موقع المتابع، ليركّز على تفاصيل تظهر الرغبة الدفينة بتغييرات داخل المملكة من شأنها إضعاف محمد بن سلمان وعودته الى "بيت الطاعة" كما كان عليه الأمر يوم تولّيه المسؤولية. وما تظهره الوثائق، يكشف حجم التوغل الإماراتي داخل الأوساط الحاكمة في السعودية، وقدرة فريقها على استخلاص المعلومات، ما يشير الى القدرة على بناء شبكة علاقات قوية، أو رغبة المعارضين لبن سلمان في إيصال صوتهم الى خارج أسوار الرياض، ولو عن طريق أبو ظبي. بل يظهر بوضوح "حالة التشفي" التي توازي فعل "التنمّر" من جانب فريق بن زايد على فريق بن سلمان.
في هذه الحلقة، تنشر "الأخبار" بعض الوثائق الصادرة عن جهات إماراتية رفيعة المستوى، تعرض لجوانب من هذه الأزمة، وكيفية قراءتها لانعكاسات ما يجري على وليّ العهد السعودي وحكمه داخل المملكة وعلى صورته وموقعه ودوره خارج السعودية.
تنمّر بن زايد على بن سلمان: قضيّة خاشقجي نموذجاً!
يحرص الجانبان الإماراتي والسعودي على إخفاء التباينات بينهما حول أمور كثيرة. لكن الأمر لا يكون على هذا النحو لدى الجهات المتابعة، سواء في محيط قادة البلدين، أو لدى الدبلوماسية العربية والغربية النشطة في العاصمتين. والبارز في أن وثائق سرية تثبت ما ينقله دبلوماسيون عملوا في الجزيرة العربية عن أن في أبو ظبي من يشكو ضيق هامش المناورة بسبب طبيعة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. لكن هؤلاء الدبلوماسيين قلّما تحدّثوا عن الجانب الأكثر تعقيداً في العلاقة، وهو المتصل بسعي الإمارات الدائم للقيام بدور "الوصي الرقيب" على سلوك الإدارة السعودية الجديدة. ولذلك، تهتم قيادة الإمارات بأن يعمل دبلوماسيوها في الرياض، وبعض الباحثين المتعاقدين مع وزارة الخارجية وأجهزة الأمن، على إعداد تقارير تخص الوضع السعودي.