يبدو أن ملك البحرين، حمد بن عيسى، يتطلّع إلى أن يكون خليفة لوزير الخارجية البريطاني الأسبق، آرثر بلفور، ووريثاً لشاه إيران، محمّد رضا بهلوي، الذي لُقّب «بشرطيّ الخليج». كما يُحدّثُنا التاريخ، فإن رسالة بلفور إلى المصرفي البريطاني، ليونيل دي روتشيلد، في 2 تشرين الثاني 1917، شكّلت اللبنة الأولى لقيام دولة الكيان الإسرائيلي عام 1948، وما تبعه من حروب وأزمات في الشرق الأوسط؛ إذ أعقبها نقْل روتشيلد، أحد زعماء اليهود في بريطانيا، هذه الرسالة إلى «الاتّحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا»، ليُنشر في أعقاب ذلك نصّ «وعد بلفور» في الصحافة في 9 تشرين الثاني 1917، ومضمونه «إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين» بأمر من الحكومة البريطانية التي لا تملك الأرض.وفي تاريخنا المُعاصر، وقّعت الإمارات والبحرين اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني في 20 تشرين الثاني 2020، في البيت الأبيض في واشنطن. اتفاقيةٌ شكّلت نقلةً كبيرةً في العلاقات بين تل أبيب والمنامة، تحت عناوين خادعة كالتعايش السلمي والتسامح بين الأديان. وفيما يستمرّ النظام في تمييزه الفاقع ضدّ غالبيّة مواطنيه عبر استهداف شعائرهم ومعتقداتهم الدينيّة، فقد بادر إلى تحمّل جزء كبير من كُلفة ترميم «الكنيس اليهوديّ» في المنامة، كتمهيد لإنشاء حيّ يهوديّ في البحرين بعد استحواذ الكنيس على قطعةِ أرضٍ مجاورة له، على رغم نفي رئيس الجالية اليهودية في البحرين، إبراهيم نونو، علمه بوجود توجّه لتأسيس هكذا حيّ، وحديثه عن «تَرْكِ ذلك للمستقبل»، بحسب ما صرّح به للصحافة المحلية.
إلّا أن زيارة رئيس الكيان، إسحاق هرتسوغ، إلى البحرين في كانون الأول 2022، ولقاءه بملك البلاد والجالية اليهودية هناك، حملا مؤشّرات دالّة على التوجّه إلى توسيع «الرقعة السكانية» لليهود في البلاد، باستملاك عقارات في مختلف أرجائها. وكانت «القناة السابعة» الإسرائيلية أفادت بأن شركة «هيمنوتا»، المملوكة لـ«الصندوق القومي اليهودي» في الكيان، قد اشترت جزيرة خاصة بمساحة 9554 متراً مربعاً في البحرين مقابل 21.5 مليون دولار أميركي، خلال مزادٍ طرحته «الشركة العربية للمزادات». لكن القناة سحبت الخبر من موقعها، إثر تصريحات خطيرة لممثّل حزب «أبيض أزرق» الإسرائيلي في مجلس إدارة الشركة، أفيري شناير، أشار فيه إلى أن الهدف من شراء الجزيرة «استخدامها كخيارٍ لإجلاء المواطنين الإسرائيليين في حالة وقوع كارثةٍ أو حرب»، متحدّثاً عن «إمكانية التشاور مع الحكومة البحرينية الصديقة لنقل السيادة على هذه الجزر أو الأراضي إلى الكيان».
تُشير مِثل هذه الشواهد وغيرها إلى تقمّص الملك حمد «الحالة البلفوريّة» إن جاز التعبير، وتوجّهه لتصعيد استراتيجية «صهينة» البحرين، بعد تنفيذ مشروع التجنيس السياسي الذي فضحه «تقرير البندر» عام 2006، والذي يهدف إلى صُنع «قاعدة شعبية» موالية للنظام الحاكم. وتتجاوز المنامة، بذلك، نظيراتها في مسارات التطبيع، عبر فتْح شهيّة الكيان لمزيد من التغلغل في البلاد على المستويات كافة، وخصوصاً منها الأمني والعسكري، وهو ما يؤكّده إقرار وكيل وزير الخارجية البحرينية للشؤون السياسية، عبدالله بن أحمد آل خليفة، بوجود جهاز «الموساد» الإسرائيلي في البحرين، والإعلان في آذار 2022 عن تمركزِ ملحقٍ عسكري من جيش العدوّ بشكل دائم في البحرين، من خلال مقرّ الأسطول الخامس للبحرية الأميركية في المنامة، وهو ما أثار غضب إيران باعتباره تهديداً لأمنها القومي في السواحل المقابلة لها.
هكذا، يسير حمد بن خليفة على خُطى الشاه محمّد رضا بهلوي بوصفهِ «شرطيّ الخليج». لكن ماذا لو أصبحت البحرين «كبش فداء» وتحوّلت إلى «ساحة تصفيات عسكرية»؟ فهل ستحمي البلادَ «بدلةُ الملك» من ويلات أيّ عمل عسكري في هذه الجزيرة الصغيرة؟ أو هل ستحميها مثلاً تهديدات قائد "قوّة دفاع البحرين"، خليفة بن أحمد آل خليفة، خلال الشهر الجاري، بمواجهة إيران بمعونة الدول الخليجية؟

* صحافي بحريني