وبعد 2011، أنشأت الحكومة البحرينية مجموعة من المؤسسات «الحقوقية»، مثل «مفوضية السجون» و«أمانة التظلّمات»، للتعاطي مع المشكلات الحقوقية المتفاقمة، وعلى رأسها قضايا التعذيب والقتل خارج القانون وامتلاء السجون بالمعارضين. وأهم أهداف تلك المؤسسات إبقاء السجناء السياسيين أطول مدة ممكنة في المعتقلات، إلى جانب القيام بحملات من العلاقات العامة الدولية، والعمل على امتصاص بعض الغضب الداخلي. كما صمّمت الحكومة عدداً من البرامج المثيرة للجدل، كـ«العقوبات البديلة» و«السجون المفتوحة»، للأغراض نفسها. إلا أنها لم تُظهر ليونة في التعامل مع السجناء الذين نفّذوا إضرابات كثيرة، كما لم تتعامل مع مطالبهم بحكمة، بل بعنف، فيما نظّم أهالي المعتقلين تظاهرات وفعاليات دورية، من دون كلل، تعاملت معها الحكومة أيضاً بإجراءات أمنية وقضائية قمعية.
لا مؤشرات إلى أن الإفراجات ناتجة من برنامج موسّع للمصالحة السياسية يتبنّاه الملك
والحقيقة أن القناعات صارت راسخة في الأروقة السياسية المحلية والدولية بأن البرامج القضائية والحقوقية الحكومية التي تفرّخها المنامة، تنطلق من منظور أمني، وهي مصمّمة لإطالة أمد الاعتقال، عبر جملة من الإجراءات التي يُدّعى أنها تعمل لمصلحة المعتقلين، بينما هي جزء من آلة القمع. وهذا ما يزيد من الحاجة إلى تدخّل الملك، الذي يدير نظاماً مركزياً صارماً، لحلحلة ذلك الملف، الذي طال أمده، ويعدّ أكبر تعبير عن عمق الأزمة في البلاد، ما دامت الأجهزة والبرامج القائمة غير مؤهلة للقيام بتلك المهمّة، أو مصمّمة لتبقي قرار الإفراج عند رأس الدولة. والواقع أن الملك تمنّع كثيراً قبل لجوئه إلى العفو الذي تأخر كثيراً من ناحية، فيما لا يزال القصر، من ناحية أخرى، يحتفظ بالكثير من «الأوراق» داخل السجون. ورغم الإفراج عن نحو 621 معتقلاً سياسياً، يبقى في السجون نحو 696 معتقلاً - بحسب أرقام نشرتها جهات حقوقية -، في مقدمتهم القادة السياسيون، الذين قادوا الاعتصامات الحاشدة في 2011.
وخاض عدد من القيادات الشعبية المعتقلة تجربة حوار في السجون منتصف التسعينيات من القرن الماضي، قادت إلى تبلور «مبادرة سياسية»، ثم أنكرت الحكومة وجودها. وفي 2001، دعم المعارضون مشروعاً سياسياً للملك، انتهى إلى إلغاء دستور 1973 وتقييد البرلمان. وهاتان التجربتان تلقيان، إضافة إلى القمع الذي مورس في 2011، بظلالهما على العلاقات بين القصر وخصومه السياسيين. لذا، ففي الوقت الذي يتم فيه الترحيب بهذه الإفراجات، فإنها تظل قاصرة، ما لم تشمل تسوية واضحة المعالم. كما أن الإفراج عن القادة السياسيين من دون تسوية، يبقى محل قلق حكومي؛ إذ لا يُتوقّع من المفرَج عنهم التزام الصمت، وقد يواصلون إصدار البيانات، والمطالبة بالتوافق الوطني.
والجدير ذكره، هنا، أن العفو أداة دستورية، مثلها مثل أي صلاحيات أخرى يتيحها الدستور لرأس الدولة؛ واستخدام تعبيرات أخرى في وصفه، إيجاباً أو سلباً، يعكس توجهات سياسية، مع الإفراج أو ضده. وبينما رحّبت قوى المعارضة عموماً بالإفراجات، مطالبة باتخاذ خطوات أوسع تجاه المصالحة، تبنّت قوى موالية خطابات سلبية تجاه المفرج عنهم. ويتمنى كثيرون أن تمضي خطوات الملك نحو حوار موسّع، يفضي إلى تسوية وطنية، بيد أن النهج الأمني مدعوم سعودياً وإماراتياً. وليس غريباً أن يزور ولي العهد، سلمان بن حمد، اليد اليمنى لوالده، السعودية قبل عدة أيام، حيث حصل، على الأغلب، على دعم من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للتهدئة في البحرين.
«الوفاق» تدعو إلى «تصفير» قائمة السجناء
أصدرت «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» في البحرين قائمة بـ556 معتقلاً سياسياً لا زالوا يقبعون في سجون النظام البحريني تحت طائلة الأحكام الطويلة وبمدد متفاوتة.
وقالت الحركة في بيان إنها تنشر «هذه القائمة أمام الرأي العام المحلي وتشمل سجناء سجن جو المركزي وسجن قرين العسكري، ومركز كانو الصحي، وسجن صغار المحكومين في الحوض الجاف». وأكدت «على ضرورة استكمال خطوة الإفراجات عن بقية المعتقلين السياسيين وتبييض السجون، وأن الإفراجات في الأيام الماضية شكّلت خطوة مهمة، ومن المهم أن تُستكمل لإنهاء هذا الملف الإنساني الذي يثقل كاهل الوطن وآثاره الحقوقية السيئة».
وأعربت الحركة عن أملها في «تصفير هذه القائمة حتى آخر معتقل سياسي، حيث يُعتبر ملف سجناء الرأي أهم تداعيات المشكلة السياسية المرتبطة بالحراك الشعبي المتعلّق بالمطالب السياسية في البحرين».