سارة أنطون
من الصعب أن تمرّ في الشارع الضيّق المتاخم لـ«حاووز القبّة» في طرابلس، من دون أن يستوقفك مشهد ذاك الرصيف المكتظ بالتلامذة. بين أبواق السرفيس ودعوات الباعة، تضجّ في رأسك التساؤلات لتحاول البحث عن أثر المدرسة المصدر، إلى أن تجد السبيل عند لوحة سوداء صغيرة: «دوحة الأدب ـــــ مدرسة خاصة مجّانية».
معظم روّاد الدوحة يأتون من «ضهر المغر»، «التبّانة»، «القلود ـــــ طريق زغرتا» وغيرها من المناطق الشمالية، حيث يتقن الواقع لغة الإنماء غير المتوازن، فتغيب عن جدران المدرسة وصفوفها مستلزمات الشروط التربوية العصرية. في المقابل، تتّسع «دوحة الأدب» للأمل ولتلامذة يجرؤون على الطموح حتّى حين تبتلّ أقدامهم بأوحال الزقاق الضيّق ومياه «الحاووز» الباردة: «أريد أن أصبح جرّاحاً»، يؤكد محمد أمام زملائه من الصف السادس. أما عبد الرحمن، «المهندس المستقبلي»، فيودّ أن يختبر بيده كلّ ما رَسم ولَوّن بإتقان، علّه يتمّ افتتاح قاعة تجارب تسمح له بذلك. أمل عبد الرحمن يسلّط الضوء على الضياع الأكاديمي الذي قد يقع فيه تلامذة لا يجدون بين أياديهم سوى الكتب الملوّنة وخيال صورة من طبشور على اللّوح.
وكانت المدرسة قد تأسست على يد المحامي غازي سلمان الّذي حملته أصداء الحرمان التربوي في المنطقة من بعلبك الهرمل إلى القبّة طرابلس، ليفتح أبواب الروضة والمرحلة الابتدائية أمام 700 تلميذ. تندرج «دوحة الأدب» ضمن لائحة المدارس الخاصة المجّانية الّتي، كما أوضح نجل المؤسس بشار سلمان، تفتح مجالاً للدولة في تأمين فرص التعليم المجانيّ لأبنائها من دون الالتزام بأعباء ومسؤوليات افتتاح مدرسة رسمية. وأشار إلى أنّ رخص المدارس الخاصة المجّانية باتت محصورة ومقيّدة جداً، لافتاً إلى أنّ المدرسة تعتمد على المنح الفردية الّتي تقدّمها الدولة والقسط السنوي الرمزي ومقداره 100 ألف ليرة لبنانية، وهو نادراً ما يستوفى من معظم التلامذة. وتحاول الإدارة، وهي عائلية بحت، أن تسدّ العجز من خلال الموارد المادّية الخاصة بالعائلة.