سارة أنطون
غالباً ما تستوقفك المناشير على مداخل الجامعة اللبنانية الأميركية (LAU) من حسوم التجميل إلى عروض المطاعم. لكنّ ذلك المنشور يحمل عرضاً مختلفاً: «إسعاف أولي ـــ First Aid». المسعفون هنا لن ينقذوك من وعكة صحية بل من أزمة أكاديمية

باتت ظاهرة تلزيم المشاريع سوقاً تجارية في الجامعة اللبنانية الأميركية. وقد تبلورت مساحات التبادل الخدماتية المقنّعة، إلى جانب الأسلوب المباح في المناشير والأرقام المنتشرة على الجدران المحيطة بالجامعة.
«Pass Ur Course»، أو «انجح المادة»، هي إحدى المجموعات السّرية على صفحات الـ«Facebook»، أي المجموعات التي لا تستطيع الانتساب إليها إلا من خلال دعوة أحد أعضائها لك. ومثل غيرها من العناوين المتعارف عليها لدى الطلاب، تؤلف المجموعة ملتقىً بين البائع والزبون لإتمام الصفقة. إذ يكفي أن يحدّد الطالب النّوع والتّخصص والمهلة الزمنية، حتى تنهال عليه العروض وتبدأ المساومات على السعر.
وبالنسبة إلى الاتصالات المُنقذة، ينضوي بعض الباعة تحت إطار «التعليم الخصوصي»، منعاً للالتباس، مراهنين بذلك على بداهة أصحاب الطلب. أمّا النوع الثالث من العرض والطلب فهو أسلوب «أعرف الشخص المناسب»، وما أن تتطاير فكرة شراء مشروع من فمك حتى يبدأ الزملاء بالتسويق لمصادر عدّة، إمّا سمعوا عنها أو استفادوا من خدماتها، فينصحونك دوماً بالـ«شاطر وبيلبّي».
من هم «الشطّار» يا ترى؟، عماد هو أحد الطلاب الذين جعلوا من بيع المشاريع مصدراً للرزق. وصف بداياته بالخدمات المتواضعة لأحد زملائه في الصف حيث كان يؤمن للأخير تلقائياً كلّ ما هو مطلوب للمادّة. اليوم يسخّر عماد، مثل سواه من الطلاب الباعة، الطاقة والوقت الخاص لتأمين المشاريع التي يغطيها مجال تخصصه مع العلم أنّه يحافظ على مستواه الأكاديمي المتفوّق.
البعض الآخر من الطلاب «الشطّار» ذهب في الأمر إلى أبعد من الطاقة الشخصية، فكوّن شبكة عمل طلابية بهدف تغطية الاختصاصات المتفرقة. وتنشط في هذا المجال مراكز الطباعة والمكتبات حيث غالباً ما يكتسب الموظف الخاص لهذه المهمات خبرة وإلماماً بالمشاريع الفصلية، فما أن تلفظ عنوان المادة حتى يتولّى الأمر بابتسامة خبير.
في المقابل، يشدّد الميثاق الأخلاقي للجامعة اللبنانية الأميركية في الفقرة «ب»، مدوّنة قواعد السلوك (code of conduct)، على النزاهة الأكاديمية ومعاقبة الغشّ والانتحال. من هنا تتضمن البرامج والمواد كلها سياسة صارمة، في ما يتعلق بالإخلال بهذه البنود، ويراوح العقاب من رسوب المادة وصولاً إلى فصل الطالب. وقد طبّقت إدارة الـLAU هذا القانون بحق ستّة طلاب قدّموا مشاريع متطابقة اشتروها من بعض «السماسرة».
إلى ذلك، تستعين الجامعة بخدمات «turnitin.com»، وهو عنوان إلكتروني تتضمّنه مشاريع الطلاب، فيشير في تقرير مفصّل إلى كل الجمل والمقاطع التي استخدمت من دون ذكر المصدر. أمّا المصادر التي تغطيها الخدمة فهي الصفحات الالكترونية والأرشيف الذي يتضمن المشاريع أيّاً كان مصدرها. وتقف هذه الخدمة في وجه سيرورة بيع المشاريع فيما كان من الممكن للبائع في السابق أن يبيع انتاجه إلى أكثر من طالب وعلى أكثر من فصل.
من جهة أخرى، ازداد الطلب على المشاريع الجاهزة، إذ بات من المستحيل على الطالب أن يستعين بمشاريع زملائه أو بصفحات الانترنت. غير أنّ قدرة أيّ جهة على الاشتراك بخدمة الصفحة حتّى لو لم تكن هيئة تعليمية ممكنة. بمعنى آخر تستطيع شبكات البيع أو الطلاب إقامة التغييرات اللازمة على المشروع بناءً على تقرير «turnitin .com»، بحيث يصبح الانتحال غير قابل للكشف حين يُحمّل الاستاذ المشروع لاحقاً.
ويتحدث الطلاب عن أسلوب آخر من الرقابة على الغش، لا سيما في اختصاصي الهندسة الداخلية و«الغرافيك ديزاين»، فتشير دينا إلى أنّ أحد مراكز الفنون التخطيطية والتصوير المجاور للجامعة يقوم ببيع المشاريع للطلاب من جهة، ويسرّب أسماء الزبائن من جهة أخرى إلى الجامعة.
تختلف الصفقات بين منتج وآخر، أمّا الأسلوب الشائع فهو الدفع نقداً على دفعتين: «عربون» قبل التسليم والجزء الآخر بعده على أن يكون المشروع كاملاً ومناسباً من حيث المواصفات والمهلة المحدّدة. أما في حال عدم توافق المشروع مع اتفاق الطرفين، فعلى البائع إعادة تنفيذ المشروع وتقديم حسم على السعر، وكأن هناك أعرافاً مهنية رفيعة باتت تنظّم هذه الخدمات «تحت
الطاولة».
وفيما تبدو المبالغ مخيفة، قد يجد الزبون تنفيذ المشروع ـــــ السلعة مخيفاً أكثر. تختلف المداخل والمنشورات بين جامعة وأخرى، يتكرّر مشهد الإسعاف الأكاديمي أينما وجد الطالب المشغول البال وزميله المحتاج إلى المال.



أسعار مخيفة

تعدّ تقارير الأعمال التطبيقية الأقل كلفة، إذ تتراوح بين ثلاثين وخمسين ألف ليرة. أما الأبحاث الفصلية فتكلّف عشرة آلاف ليرة على الأقل للصفحة الواحدة. وبالنسبة إلى المشاريع الكبرى الخاصة بالتخرّج فقد يصل السعر إلى مليون ليرة لبنانية!