بمعدل قانون عفو واحد لكل 10 سنوات من الاستقلال حتى اليوم، تصبح مقولة إن «العدالة اللبنانية انتقائية» حقيقة ثابتة. والجديد في هذا الإطار هو اقتراح قانون تقدّم به النائب أنطوان زهرا
محمّد نزّال
«العفو عن كبار عملاء إسرائيل. أيّ عفو هذا؟ لا يمكن أن يمرّ إلا على رقابنا. أيّ قرار يبرّئ الذين أصدروا الأوامر بقتل رجالنا وذبح نسائنا وهتك أعراضنا؟» يؤكد يوسف، شقيق مقاوم استشهد عام 1999 برصاص عملاء «ميليشيا لحد» (ما يسمّى أيضاً جيش لبنان الجنوبي). هذا الموقف جاء تعليقاً على اقتراح القانون الذي قدّمه عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا إلى المجلس النيابي للمناقشة، ويقضي بالعفو عن جرائم الحق العام التي تعود إلى ما قبل 27 نيسان 2005، ما عدا تلك المحالة إلى المجلس العدلي والقضاء الدولي الجزائي. بعض الأوساط السياسية رأت في مشروع القانون المشار إليه مقدمة للعفو عن كبار عملاء إسرائيل، وفي مقدّمهم أنطوان لحد الذي فرّ عام 2000 إلى أرض العدو، وغسان توما (القيادي السابق في القوات اللبنانية) الذي شمله العفو الذي ناله سمير جعجع عام 2005 عن عدد من الجرائم، وأخيراً إتيان صقر (أبو أرز)، فضلاً عن إعفاء تجّار المخدرات وسواهم من مرتكبي الجرائم.
وأكد زهرا لـ«الأخبار» أن هناك تأويلاً في غير محلّه لمشروع القانون الذي قدّمه، ولكن «ما المانع لو يشمل العفو رفيقنا وحبيبنا غسان توما؟». أما أنطوان لحد، فقضيته مرتبطة باللاجئين في إسرائيل، وحاله كحال الذين عادوا من إسرائيل وعُفي عنهم، بحسب النائب «القواتي». أما عن إتيان صقر (المقيم خارج لبنان)، فيؤكد زهرا أنه لا علم لديه عن الطبيعة القانونية لقضيته.
رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص علّق على الموضوع، ورأى أن هناك «محاولات جدّية لجرّ مجلس النواب إلى العفو عن الجرائم التي ارتكبتها بعض الجهات التي كانت محسوبة على العدو الإسرائيلي في مراحل الاجتياحات التي نفذها هذا العدو ضد لبنان ومراحل الحروب والاعتداءات المتفرّقة التي شنّها». لكنّ زهرا يرفض حصر مشروع القانون بأشخاص محددين تحاشياً لأي تأويل، ويوضح أن هدف اقتراحه هو العفو عن أشخاص موجودين خارج لبنان «صدرت بحقهم في المرحلة السورية مذكرات بحث وتحر، وقد كانت محاكماتهم سياسية وبعيدة عن العدالة في تلك الحقبة». الرئيس الحص نبّه في بيانه إلى أي «حصان طروادة إنساني يمكن أن يمتطيه البعض لغايات مغايرة»، ويؤكد أن «العفو عن المتعاملين السابقين مع العدو الإسرائيلي يجب أن يكون مقروناً بالتوبة والندم، والإقلاع نهائياً بعد اليوم عن تكرار شيء من تلك التجربة المشؤومة مستقبلاً»، مشدداً على أنه إذا لم يتوافر هذا الحرص، «فالنتيجة ستكون حتماً بمثابة التشجيع على المزيد من الشذوذ والخيانة».
عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني رفض التعليق على الموضوع بانتظار مناقشة مشروع القرار في المجلس النيابي «حيث ندلي برأينا هناك». يشار إلى أن مجلس النواب لم يناقش أمس مشروع القرار المقدّم من النائب زهرا، كما لم يناقش عدداً من المشاريع والمقترحات، ورفعت الجلسة إلى الخميس المقبل.
عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب حسن يعقوب سخر من «سياسة العفو التي اعتادها أنطوان زهرا وحزبه للتغطية على الجرائم»، معتبراً أن «طلب العفو هو إقرار ضمني بالجرم، وإلا فما الحاجة إلى استجداء العفو تلو العفو، ونحن لا يمكن أن نسمح بإسقاط مبدأ الثواب والعقاب، وهو المبدأ الذي بُني الكون على أساسه». يعقوب لم يستبعد أن تكون وراء هذا الطرح أبعاد انتخابية، «فعمليه استدراج الأصوات من خارج البلاد رائجة للاستفادة منها في هذه الأيام، ونحن نرحّب بكل اللبنانيين على أرض وطنهم، ولكن ليعلم الجميع أنّ شذّاذ الآفاق لن يكون لهم مكان في لبنان».


7 قوانين عفو

أصدر مجلس النواب منذ عام 1949، 7 قوانين للعفو عن جرائم ارتكبت على الأراضي اللبنانية. وقد تنوّعت هذه القوانين بين العفو العام (19/11/1949) والعفو عن الجرائم المرتبطة بأعمال عسكرية وفتن وحروب أهلية (24/12/1958) ويوم 17/2/1969. وأبرز قوانين العفو هو الصادر يوم 26/8/1991، للعفو عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية. وتوّجت القوانين بما صدر عام 2005 للعفو عن سمير جعجع (الصورة) والملاحقين في أحداث الضنية وموقوفي ما عرف بشبكة مجدل عنجر