رامي زريقما إن بدأت أسعار الغذاء العالمية تستقر بعد الاضطرابات التي أصابت الأسواق عام 2008 حتى انقشعت ملامح أزمة غذائية جديدة. الأسباب، حسب الخبراء، لا تزال نفسها: ارتفاع الطلب وتقلص العرض نتيجة التقلبات المناخية غير المعتادة التي شهدتها البلدان المنتجة في نصف الكرة الشمالي والتي سببت موسم حصاد رديئاً. طبعاً، يغفل العديد من المحللين دور المضاربات التجارية التي يقودها أصحاب البنوك ومالكو شركات التجارة العظمى الذين، مثل الطيور الكاسرة، ينتظرون الفرصة المؤاتية لينقضوا على الضعفاء وينهشوا لحمهم. هذا هو الواقع الذي خلّفه تعميم نهج الاقتصاد النيوليبرالي الذي تبنته كل الدول، وخاصة الفقيرة منها مثل لبنان وكأنه الخيار الوحيد المتاح. وقد بلغت أسعار القمح الأوروبي خلال الأسبوع الماضي قرابة 300 دولار للطن الواحد. وتزامن هذا الارتفاع المفاجئ مع إعلان الدولة في الموزنبيق عن رفع سعر الخبز 30%، ما أدى إلى اندلاع تظاهرات دامية ذهب ضحيتها 7 قتلى ومئات الجرحى. تعيد هذه الأحداث إلى الذاكرة التظاهرات التي هزت العديد من البلدان العربية خلال عام 2008 والتي لم تقلّ عنفاً عما يجري اليوم في أفريقيا. فالبلدان العربية هي أول الدول المعنية بأسعار القمح، إذ إنها تعدّ أكبر مستوردي هذه السلعة في العالم. ومما يزيد الوضع مرارة هو أن أصول نبتة القمح تعود إلى الهلال الخصيب، الذي تمثّل بلادنا الجزء الأكبر منه! إلا أن زراعة القمح لم تعد مجدية بحسب جهابذة اقتصاد الأسواق الرأسمالية الذين فضلوا عبر سنوات دعم التجار لشراء القمح بأسعار خيالية على دعم الفلاحين، حماة السيادة والأمن الغذائي الاستراتيجي، ويريدوننا أن نبلع الأكذوبة القائلة إن موت الفقراء يأتي نتيجة المواسم العاطلة وتغيرات المناخ.