كثرت في الآونة الأخيرة المؤتمرات التي تقارب حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. الوجوه هي نفسها والكلام أيضاً، فيما تبقى «التلطيشات» الطفيفة بين السياسيين عنصراً جاذباً يضفي نكهة على اللقاءات من دون أن يُحدث أي تطوّر في الملف، تماماً كما حصل، أمس في المؤتمر المشترك للمنظمات المدنية اللبنانية الفلسطينية
قاسم س. قاسم
وسط اهتمام الساحة اللبنانية بتداعيات المؤتمر الصحافي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (أول من أمس)، وبالرغم من توجه أنظار السياسيين اللبنانيين إلى القرار الاتهامي الذي سيصدر قريباً عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، عقدت، أمس، جمعية «الجهد المشترك» ورشة عمل للمنظمات المدنية اللبنانية والفلسطينية لبحث حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. قد لا يبدو توقيت الورشة مواتياً، في ظل تراكم الأحداث السياسية المحلية، ما قد يُضعف الاهتمام بملف حقوقي في مثل هذا الحجم. ثم إنّ الجمعيات والفصائل الفلسطينية تعيش حالة انتظار لنتيجة التصويت في جلسة الهيئة العامة لمجلس النواب في 17 آب الجاري. هذه الجلسة ستطرح ثلاثة قوانين أقرتها لجنة الإدارة والعدل النيابية في الأسابيع الماضية والمتعلقة بحق العمل، الضمان الاجتماعي والمقاضاة أمام مجلس العمل التحكيمي للفلسطينيين.
هكذا، اجتمع أمس، في فندق كراون بلازا ببيروت، النواب خضر حبيب وآلان عون وجوزيف معلوف وممثل الحزب التقدمي الاشتراكي، بهاء أبو كروم، ليطرح كل منهم رؤيته في ما يتعلق بحقوق اللاجئين.
النائب حبيب، عضو تكتل لبنان أولاً، أشار إلى أنّ كتلته على «خطى الشهيد وخطى الوثيقة السياسية التي أعلنها تيار المستقبل في مؤتمر بيال الأخير». وأكد أنّ الورقة «التي قدمتها كتلتا المستقبل والقوات اللبنانية تتضمن العديد من الأمور التي تحسّن الحياة اليومية للفلسطينيين، وخصوصاً لجهة إصدار بطاقات خاصة لفاقدي الأوراق الثبوتية».
أما النائب عون، عضو كتلة التغيير والإصلاح، فقدّم مقاربة كتلته لهذا الملف من خلال التعاطي «العقلاني مع الملف، بعيداً عن العواطف والمزايدات؛ لأنّ التوطين ليس فزاعة وفق البعض، بل هو حقيقي ومطلب إسرائيلي بامتياز» كما يقول.
التوطين لا يحصل من دون إرادة القوى السياسية اللبنانية
ثم غمز عون في الجلسة الأولى لورشة العمل من قناة الحزب التقدمي الاشتراكي من دون أن يسميه قائلاً: «البعض قدّم قوانين ظن أنه سيحسّن، من خلالها، حياة الفلسطينيين بصورة عامة، لكن أيهما أفضل، أن نبني مجمعات سكنية للفلسطينيين على حساب الدولة اللبنانية وأن تكون ملكيتها للدولة، أم أن نُقر قانوناً يسمح لعدد قليل من الفلسطينيين المتمكنين مالياً من التملك؟». يضيف: «لا يجوز بعد اليوم أن يلعب أحد بنار الخلاف بين أي جهة لبنانية وأخرى فلسطينية، فكفى تحريضاً ووضع مجموعة من اللبنانيين في وجه الفلسطينيين واتهام هؤلاء بالعنصرية». أبو كروم فهم غمزات عون الذي اضطر إلى الانسحاب بسبب ارتباطات سابقة كما قال، من دون أن يسمع رد أبو كروم عليه. ومما قاله هذا الأخير: «لم نسحب الملف الفلسطيني من يد أي قوة سياسية، وعندما طرحنا الموضوع كنا على تنسيق تام مع كل القوى قبل طرحه، واعتقدنا حينها أنّ العلاقات بين الفلسطينيين واللبنانيين قد تحسنت». ولفت إلى أنّ «علاقتنا بالفلسطينيين ليس فيها أي مجال للمزيدات»، مشيراً إلى أنّ «التوطين لا يحصل من دون إرادة القوى السياسية اللبنانية، حتى لو تملك الفلسطيني نصف الدولة اللبنانية».
ورأى النائب معلوف، ممثل كتلة زحلة أولاً، أنّ المشكلة تكمن في الحروب العربية وسايكس وبيكو اللتين رسمتا الحدود على المسطرة، وكذلك بلفور الذي أعطى الأرض للعدو الصهيوني، لافتاً إلى أنّ هذه الأسباب مجتمعة أوصلت الفلسطيني إلى الحالة التي يعيشها اليوم داخل مخيماته.
أنهى السياسيون كلامهم وانسحبوا من الجلسة بعد الرد على أسئلة الحضور عن تفاصيل بنود الورقة المقدمة من كتلة المستقبل وتحويل الفلسطيني اللاجئ في لبنان إلى «مسلم فقير»، وخصوصاً مع تجنيس الفلسطينيين المسيحيين والأغنياء منهم.
ممثلو الجمعيات والمنظمات المدنية اللبنانية والفلسطينية الذين استمعوا كثيراً إلى مثل هذا الكلام في الأوقات الماضية وشاركوا في مؤتمرات مماثلة، انسحبوا مع انسحاب السياسيين بعد انتهاء الجلسة الأولى لورشة العمل، على الرغم من أن البرنامج المقرر يلحظ مساهمتهم في الجلسة الثانية، إذ كان متوقعاً أن يناقشوا الوسائل التي يمكن اعتمادها في سبيل الحصول على الحقوق المدنية.
وبذلك تحوّلت الجلسة الثانية إلى جلسة «أهلية بمحلية»، فبحث المجتمعون ثلاثة بنود متعلقة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين مثل حق العمل والتملك والضمان الاجتماعي. النقاشات أفضت إلى تأليف لجان لمتابعة ما سيجري في جلسة 17 آب، ولمتابعة تفاصيل الحراك التي قد تقوم بها الجمعيات في ما يتعلق بهذا الملف.
على صعيد آخر، وفي فندق ألكسندر، اقترح المحامي أديب الياس زخور، في مؤتمر صحافي عقده قبل ظهر أمس، قانون عمل جديد للأجانب والفلسطينيين في لبنان. وعرض زخور الأسباب الموجبة لاقتراحه، وملخصها دراسة حاجة سوق العمل، وحماية اليد العاملة اللبنانية وتنظيم عمل الفلسطينيين في لبنان في القطاعات التي يجوز العمل فيها للأجانب، عمالاً وأصحاب عمل، أسوة بالقيود المفروضة على عمل الأجانب. ودعا إلى أن تحدد الحكومة القطاعات التي يحق للأجانب والفلسطينيين العمل فيها حصراً، على أن يمنح وزير العمل صلاحية تحديد نسبة العمال الأجانب في 30% في كل قطاع بعد دراسة سوق العمل، على أن يصار إلى رفع هذه النسبة، إذا دعت الحاجة بقرار من مجلس الوزراء. ويتضمن الاقتراح مواد تنص على قيمة الأجر للعامل الأجنبي وإعفاء المؤسسة التي تشغل لبنانيين في قطاعات يسمح للأجانب العمل فيها من الضرائب.