باتت بلدة أرنون (النبطية) على موعد سنوي مع مخيم «سنبلة الخير» الذي تقيمه «مؤسسة الأمل للمعوّقين»، لجمع غلال الحبوب، ثم بيعها بأسعار تشجيعية أو تقديمها مقابل تبرعات تصبّ في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة
كامل جابر
يتحول المخيم المقام سنوياً على قطعة أرض تبلغ خمسين دونماً، تملكها «مؤسسة الأمل للمعوقين»، بين بلدتي أرنون وكفرتبنيت، إلى ورشة، متكاملة تستمر شهراً كاملاً، يتخللها حصاد القمح وسلقه، ثم جرشه، وتوضيبه، مع حبوب أخرى، بالإضافة إلى نشاطات متنوعة هدفها الترفيه عن المشاركين بعد قيامهم بسلسلة من الأعمال التطوعية المرهقة.
«كنا في الأمس القريب مع الإخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة والمشرفين في مخيم «جرش البرغل» ومهرجان «سنبلة الخير» السنوي في حقول المؤسسة في قرية أرنون؛ وبالرغم من تعبنا الجسدي، إلا أننا كنا سعداء جداً»، يقول المدير العام لمؤسسة الأمل للمعوقين نسيب الصلح.
هي السنة السابعة على التوالي التي يقام فيها المخيم في بلدة أرنون، بالتعاون مع الجيش اللبناني، الذي يؤمن الخيم والمعدات والأسرّة وشاحنة ترافق المخيمين طوال شهر كامل. أما المشاركون فيه، فإلى المزارعين، و«شباب» الجمعية والموظفين، وخبراء زراعيين وفي التنمية والعمل الاجتماعي، عدد كبير من المتطوعين، من جمعيات اجتماعية وإنسانية وكشفية لبنانية مختلفة، وكذلك من المخيمات الفلسطينية. في المخيم، وبعد سلق القمح وجرشه توضّب الحبوب في أكياس من القماش «الخام» تعدها الجمعية وتخيطها وتطبع عليها شعارها، خلال عملية تتكفّل بها مجموعة من الفتيان والفتيات المشاركين، وتتلخّص بوزن وفرز المواد التي تكون عادة في أكياس كبيرة، وتعبئتها في أكياس معقّمة يتسع كل كيس منها لكيلو غرام واحد من كل صنف.
مشروع «سنبلة الخير» الذي تنفذه المؤسسة ضخم، حتى إن «الكمية التي تشترى من المزارعين المحليين لا تكفي. فمجموع ما نحصده ونجمعه من أرضنا ومن القرى المجاورة، يكاد لا يشكل خمسة في المئة من الكمية المطلوبة للمشروع، لذلك نستكملها بشراء حبوب من سوريا وتركيا بنسبة حوالى 10%، بالإضافة إلى كميات أخرى نستوردها من بلاد مصدّرة للحبوب مثل أوستراليا وكندا والأرجنتين»، يقول الصلح.
ويؤكد الصلح أن المشروع يهدف إلى دعم ذوي الاحتياجات وصغار المزارعين ممن يزرعون مساحات تقل عن خمسة دونمات؛ من خلال برنامج يتضمن تأمين البذور للمزارع وتشجيعه على استثمار أراضيه. «لقد تبين لنا ومن خلال بحث المتطوعين في الأرياف اللبنانية، أن معظم ذوي الاحتياجات الخاصة يملكون أراضي زراعية، وهناك إمكانية لاستثمارها بعد تأهيلهم مهنياً لإعالة أنفسهم، بدل أن ينتظروا الشفقة أو التبرعات من المحسنين».
يتم بناء الشبكة مع المزارعين المعوقين بإشراف مهندس زراعي ومساعدة اجتماعية وإداري يتابعون يومياً العمل في 30 قرية وبلدة في المنطقة الجغرافية ذاتها. وتبلغ كلفة بناء الشبكة سنوياً نحو مئة ألف دولار أميركي، يتضمن المبلغ شراء الغلال بأسعار تشجيعية. وتحاول الجمعية بناء شبكات مشابهة تغطي في المستقبل معظم المناطق اللبنانية.
جاء اختيار عملية زراعة الحبوب من قبل الجمعية، لتكون نواة هذا المشروع «نظراً إلى سهولة التعامل معها من قبل المعوقين، لأنها لا تتطلب مجهوداً متواصلاً أو ريّاً، فهي تكاد تكون بعلية وتتكل على خيرات الطبيعة من المطر» كما يشرح الصلح، مردفاً «يُعتبَر مهرجان سنبلة الخير ومخيمه السنوي نقطة لقاء للشركاء في هذا البرنامج، وهم: مؤسسة الأمل للمعوقين بفريق عملها وتلامذتها، المزارعون ذوو الاحتياجات الخاصة وعائلاتهم، الجمعيات الخيرية ودور الأيتام والعجزة ومراكز رعاية المعوقين (يبلغ عددها 69 جمعية)، بالإضافة إلى المتطوعين من نواد وجمعيات تهدف الى خدمة المجتمع، وإلى أهالي 30 قرية في محيط منطقة أرنون ويحمر والنبطية وقرى الشقيف. إلى ذلك، نتعاون لتنفيذ المشروع مع البلديات في المنطقة، ومع فاعليات من الجيش ووزارة التربية وقوى الأمن الداخلي، ومع أصدقاء وفنانين متطوعين للغناء أو العزف أو الرسم أو لتعليم حرفة فنية للمشاركين في المخيم.
إلى مشروع «كنزة الشتاء» التي يصنعها ذوو الاحتياجات الخاصة في المؤسسة ويعود ريع بيعها لدعم «مشروع سنبلة الخير»، تقوم الجمعية خلال شهر رمضان الحالي، بحملة تبرعات لمصلحة حفر بئر ماء ارتوازية في حقول المؤسسة في جنوب لبنان تمهيداً لبناء «القرية الصخرية» لإقامة ذوي الاحتياجات الخاصة وري المشاريع الزراعية التي تعتمدها الخطة الزراعية لدعم استمرارية القرية (يبلغ عمق البئر 600 متر، بحسب دراسة هيدرولوجية؛ وفي استطاعتها تزويد القرية بنحو مئة وخمسين متراً مكعباً من المياه يومياً، بينما تبلغ تكلفة إنشائها 110 آلاف دولار أميركي).