كلّف مجلس الوزراء وزير العدل إبراهيم نجّار «متابعة موضوع شهود الزور» في التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ما يفترض أن يضع الوزير تقريراً بهذا الشأن يودعه المجلس. على الرغم من إعلان البعض أن لا وجود لـ«شهود زور»، لا بدّ من عرض للمعلومات التي تمثّل خلفية لتقرير نجّار المرتقب
عمر نشابة
التحقيقات الجنائية التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 دلّت على الاشتباه بضلوع سوريا في الجريمة من خلال ما نشر منها في تقارير لجنة التحقيق الدولية المستقلّة ومن خلال تصريحات مقرّبين من المدعي العام لدى محكمة التمييز والمحقق العدلي اللبناني. لكن يبدو أن الامور تغيّرت أخيراً، إذ يشدّد البيان الوزاري للحكومة الحالية على العلاقة الأخوية بين البلدين، وزار نجل الضحية الرئيسية دمشق. وبالتالي، على المدعي العام لدى محكمة التمييز، لكونه يخضع لوزير العدل (رئيس النيابات العامة)، أن يخضع لما ورد في البيان الوزاري. فلا اشتباه اليوم من قبل السلطات القضائية اللبنانية بسوريا أو بأي من المسؤولين السوريين في الضلوع بجريمة اغتيال الرئيس الحريري. ورغم أن ملف التحقيق انتقل الى اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فإن هذا التغيير في وجهة اشتباه القضاء اللبناني يستوجب مراجعة الأسباب التي دفعت بعض المسؤولين في قصر عدل بيروت الى الاشتباه بضلوع مسؤولين رسميين سوريين في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبناني سابق. إن ما طالب به بعض الوزراء في جلسة يوم الأربعاء الفائت يرتكز على ذلك، ومن خلاله على التحقيق مع أشخاص أعلنوا لسلطات التحقيق اللبنانية والدولية، خلال المرحلة التي تلت الاغتيال مباشرةً، معرفتهم بهوية مرتكبي الجريمة وبإجراءات التحضير لارتكابها.
أما بما يخصّ ادعاءات البعض بعدم وجود «شهود زور» بحجة أن الشاهد يفترض أن يقسم اليمين أمام المحكمة، فإن استخدام مصطلح «شاهد» منقول عن تقرير لجنة التحقيق الدولية الأول (19 تشرين الأول 2005). ولا حاجة هنا للتذكير بالترحيب الذي منحته أوساط قريطم لديتليف ميليس ولمضمون تقريره و«المهنية العالية» التي اتّسم بها.
هل يعتقد أوغاسبيان أن الشهادة عن ضلوع مسؤولين سوريين في الاغتيال صحيحة؟
لكن رفض بعض الوزراء، مثل الوزير جان اوغاسبيان على سبيل المثال، الاعتراف بوجود «شهود زور» قد يُفهم منه أنه غير متأكد من صحّة ما ورد على لسان «شاهد» قال إن تفخيخ شاحنة الميتسوبيشي التي قتلت الحريري تمّ في معسكر للجيش السوري في الزبداني. فهل يعتقد اوغاسبيان أن تلك الإفادة يمكن أن تكون صحيحة؟ هل يعتقد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أو أي من الوزراء أن ما ورد في تقرير لجنة التحقيق الدولية نقلاً عن «شهود» يمكن أن يكون صحيحاً؟ لنقرأ مثلاً نصّ الفقرة 96: «صرّح شاهد سوري الأصل ولكنه يقيم في لبنان ويدّعي أنه كان يعمل لدى أجهزة المخابرات السورية في لبنان، بأن مسؤولين لبنانيين وسوريين كباراً قرروا اغتيال رفيق الحريري بعد أسبوعين تقريباً من اتخاذ قرار مجلس الأمن 1559 (2004). وزعم أن ضابطاً أمنياً لبنانياً كبيراً توجه مراراً الى الجمهورية العربية السورية للتخطيط للجريمة، حيث عقد مرة واحدة اجتماعاً في فندق الميريديان في دمشق، فضلاً عن اجتماعات متعدّدة أخرى في القصر الجمهوري ومكتب أحد كبار ضباط الأمن السوريين. وعقد آخر اجتماع في منزل نفس ضابط الأمن السوري الكبير، وذلك قبل فترة تتراوح بين 7 و10 أيام تقريباً من عملية الاغتيال، وحضر ذلك الاجتماع أيضاً ضابط أمن لبناني آخر. وكان الشاهد على علاقة وثيقة بعدد من الضباط السوريين ذوي الرتب العليا العاملين في لبنان».
وإذا كان مجلس الوزراء اليوم لا يعتبر أن ما ورد على لسان «الشاهد» بحسب هذه الفقرة من تقرير لجنة التحقيق الدولية صحيحاً، يفترض التحقيق في السبب الذي دفع ذلك «الشاهد» الى الإدلاء بشهادة كاذبة. وبينما قد يدّعي البعض أن الاختصاص القانوني انتقل من بيروت الى لاهاي في كلّ ما يتعلّق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن مسؤولين في المحكمة الدولية أكّدوا كذلك لـ«الأخبار» أن موضوع «شهود الزور» من خارج اختصاصهم. فمَن صاحب الاختصاص إذاً، وخصوصاً أن السلطات القضائية اللبنانية احتجزت أشخاصاً لنحو أربع سنوات استناداً إلى إفادات هؤلاء «الشهود»؟


تكليف

عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائيةً في 18 آب 2010 في المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في بيت الدين، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان. تلى بعد الجلسة وزير الإعلام طارق متري مقرراتها، وقال: «أثار عدد من الوزراء موضوع شهود الزور وجرت مناقشة سادها الحرص على التخاطب بموضوعية وهدوء وعلى الحوار في كل المسائل مهما كانت صعبة أو حرجة، وقد أجمع الوزراء الذين شاركوا في النقاش على أهمية السعي إلى معرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والشخصيات السياسية والإعلامية التي تلت عملية اغتياله وعدم استبعاد أي معطيات أو تساؤلات». وأضاف: «بعد التداول، قرر المجلس الطلب إلى وزير العدل إبراهيم نجار متابعة الموضوع، ولا سيما على الصعيد القانوني للحصول حسب الأصول على ما يتوافر من معلومات بهدف الحصول على أجوبة لعدد من الاسئلة التي طرحت، على أن ترفع إلى المجلس فور تلقيها»، موضحًا أنه «لم يتم تحديد مدى زمني، لكن الوزير كُلّف المتابعة والإسراع في ذلك».