أخيراً، تكاثر تبعثر القرى الجنوبية على الفايسبوك. بعض المشتركين يبحثون عن آلية سهلة للتواصل مع قراهم، وبعضهم الآخر يريد مساحة لصوته. الجميع يجد ضالته على الفايسبوك!
مايا ياغي
«كفرصير قطعة سما». «صدى كفرمان». «صير الغربية». «يحمر الشقيف ــــ النبطية»، «ميفدون». «بلدة الطيبة العاملية». «عيناتا منبع الشعراء والعلماء». وتتوالى أسماء القرى الجنوبية على الفايسبوك. كأنها كانت مفقودة على الخارطة، وجاءت الشبكة العنكبوتية، ليعلن أهلها عن وجودها. العبارات مشتركة داخل المجموعات، والجميع يرى أن قريته أجمل القرى. أمام هذه الطفرة، في عدد القرى، وتنوع الألقاب، تسأل نفسك: هل كانت هذه المناطق مجهولة سابقاً؟ الإجابة صعبة، فقد أصبحت شبكة الإنترنت صلة الوصل بين أبناء الضيعة أنفسهم. هناك مقيم وهناك مغترب. هناك قاطن في الضيعة وهناك نازح إلى بيروت. والفايسبوك، حتى في الجنوب المحافظ ـــــ نوعاً ما ـــــ وسيلة اتصال ضرورية.
تتنوع طرق الاتصال، وتختلف كما تختلف طبيعة أهل المدن وأهل الريف. أحد أفراد مجموعة «كفرصير قطعة سما» مثلاً، يلصق على حائط المجموعة حزورة رمضانية يومية، يتنافس على حلها أربعمئة وأربعون مشتركاً، معظمهم من بلدة كفرصير والقرى المجاورة. الجائزة ليست عادية! فمن يعرف الإجابة الصحيحة، توضع صورته الشخصية على بروفايل (الصفحة الرئيسية) مجموعة القرية. تتفاعل الكثير من الكتابات على حائط الصفحة (The wall) مع الأحداث اليومية. عيسى ضحوي أحد هؤلاء المشاركين، يوجه سؤالاً لوزير الطاقة: «يا حضرة الوزير! أهل بيروت الإدارية شو بيفرقوا عن أهل الجنوب أو الشمال أو الجبل؟ يعني إبن بيروت الإدارية بيدفع ضريبتوا كاملة؟ ونحنا منقسطا؟ أبسط حقوقي أنو إفطر على ضوّ، معليش بدي إسألك شي مرّة إبنك انقطعت عنّو الكهربا؟ إيه نحنا ربينا عالعتمة ...» تأتيه الإجابة، لكن من مواطن آخر، هو محمد علي، باللغة العربية وبحروف لاتينية: «الفرق بين أهل الجنوب وأهل بيروت، إنو بيعلقوا خطوط، وبيوقفوا ساعات وبيقصوا شرايط أساسية وبيبعوها نحاس» واضعاً اللوم على المواطن الجنوبي. ثمة نقاش إذاً. وفي السياق نفسه، تتخذ مجموعة «صدى كفرمان» صيغة رسمية. يتابع الشباب فيها أعمال البلدية وما تقوم به من نشاطات، إضافة إلى الأحداث التي تجري في كفرمان أخيراً، من المسح السكاني الذي أجراه شباب البلدة بالتعاون مع البلدية، والعشاء التراثي الذي أقيم لمغتربي لبنان، والدورات الرياضية التي تقام طيلة فصل الصيف. وبعيداً عن الرسميّات، يكتب المغترب جعفر أبو زيد كلمات لضيعته على صفحتها الرقمية، يعتبرها فيها «عينة من عينات التنوع الطائفي والحزبي في لبنان». طبعاً، لا يستند جعفر إلى أرقام أو إلى إحصاءات دقيقة، لكنه يجد في المجموعة مكاناً مناسباً لتسجيل موقف سياسي. وعلى عكس «الكفرّمانيين»، الذين تركز تعليقاتهم على العمل البلدي الرسمي، تبرز مجموعة بلدة ميفدون كهايد بارك مستقل تماماً. يتفاعل زوارها من أبناء البلدة مع الأحداث والمجريات المحلية وحتى العالمية. يعلقون على كل شاردة وواردة. اللافت، هو انحسار عدد الصبايا إلى حد كبير في ميفدون، لحساب ذكور اهتماماتهم غريبة أحياناً، فسامي نصر الدين مثلاً، اختار صورة قديمة جداً لبعض شيوخ البلدة على أن يحزر الزائرون من هم من في الصورة. «هيدا جدو لبيّ، وهيدا المرحوم الحاج أبو تنال، المرحوم جدّي أبو حسن، الحج رشيد إرطيل، إلخ). وهناك تعليقات «إقليمية» أيضاً. يكتب علي جابر، أحد الأعضاء، عن القضية الفلسطينية: «ما أشبه القضية الفلسطينية بالمحاصيل الزراعية: زرعتها أوروبا، قطفتها أميركا، لفتها الأمم المتحدة، وأحرقتها إسرائيل»، فيما يسجّل دانيال موعد زيارته إلى لبنان، فيعلق نادر توبة بسخرية عن اختيار فندق في ميفدون: «أوتيل البركة مع جناح خاص مطفى بالحامض والثوم، إذا ما في أجعاز». وفي موازاة هذا التعلق الفطري لأبناء القرى بقراهم، يعرّف أبناء بلدة صير الغربية قريتهم بأنها «من القرى التي كانت تعتبر نائية نسبياً عن المحور إذ لا يصلها إلا من يقصدها مباشرة، فهي لا تتصل بغيرها، وكأنها تعيش في عزلة». فكّت

القصص هناك ضائعة بين حكايا الزيتونة وثورة الاتصالات

الصفحة الإلكترونية العزلة التي تعيشها القرية، وانفتح أبناؤها من خلال هذا العالم الافتراضي على العالم الحقيقي الواقعي! امتزجت الكتابات على حائط الصفحة بروح فكاهية مفرطة ومرح واضح، بين أعضاء يبلغ عددهم حوالى ثلاثمئة وثلاثة وثمانين عضواً يتبادلون النكات. يكتب علي فواز: «مرة واحد إجا عاصير، قام رجع كوكتيل»، وتكتب نرجس معتوق: « آدم... هو الرجل الوحيد الذي التقى بحواء... من دون أن يبادرها بالسؤال التقليدي: ألم أتشرف أيتها السيدة بمقابلتك قبل هذه المرة؟». في المحصلة، يمكن تصنيف هذه التجارب اليومية في خانة المبادرات الشبابية، التي تسعى إلى المزج بين الحياة القروية العادية، وحياة متخمة بضجيج الإيقاع المديني. هكذا، يسعى هؤلاء الشباب إلى قتل مللهم في عالم افتراضي، ربما يكون بعيداً عن واقع الدقائق التي يعيشونها عملياً. الفايسبوك، مساحة لقول الأشياء، على الأقل بين بعضهم بعضاً، لتصبح متنفساً. المجموعات الإلكترونية على الفايسبوك، والتي أنشأها هؤلاء الشبان الجنوبيون، ما زالت بلا هوية واضحة المعالم. القصص هناك ضائعة بين حكايا الزيتونة القديمة من جهة، وثورة الاتصال والتواصل من جهة أخرى.


«مونديال» كفرصير للمغتربين

تتميز مجموعة كفرصير بالمتابعة الدائمة لكل ما يجري في البلدة من خلال الصور أو الفيديو، ما يسمح للمغتربين الذين لم يروا قريتهم منذ زمن الاطلاع على أخبارها، حيث توضع صور للمناسبات التي تجري في كفرصير، مثل متابعة مونديال 2010 في البلدة، أو العرس القروي والعشاء التراثي إلى الكزدورة المسائية وشيوخ الضيعة. هكذا، يستغل الجنوبيون هذه الوسائط الرقمية لتفادي وسائل الاتصال المكلفة.