تمثّل الأسواق السورية الدعامة الأساسية للتعاونيات الزراعية في البقاع، التي تشتري منها موادها الأولية بسعر أرخص، فيما تعتبر الدولة اللبنانية الغائب الأكبر عن دعم قطاع يمثّل المدماك الرئيسي في التنمية الريفية
رامح حمية
على الرغم من أن عدد التعاونيات في لبنان قد وصل إلى ما يقارب 1200، معظمها تعاونيات زراعية وغذائية، إلا أن الدولة لم توفّر حتى اليوم الدعم والرعاية والاهتمام لهذا القطاع الذي يعاني مشاكل كثيرة بدءاً من ارتفاع أكلاف المواد الأولية التي تحتاجها التعاونيات في تصنيعها الغذائي، وصولاً إلى غياب خطة تسويق وتصريف لهذه المنتجات الغذائية التقليدية. أمام هذا الغياب، لم تجد معظم التعاونيات الزراعية في البقاع سبيلاً للخلاص من مشاكلها، إلا بالاعتماد على تأمين متطلباتها من أدوية زراعية ومواد داخلة في تصنيع منتجاتها الغذائية من الأسواق السورية، حيث تباع بثمن أرخص بكثير من ذلك المعتمد في الأسواق اللبنانية، الأمر الذي «يخلق هامش ربح بالنسبة للتعاونيات بدلاً من الخسائر»، كما تقول فاطمة حمية رئيسة تعاونية مواسم الخير، فـ«بدلاً من شراء كيلو «الفريكة» (القمح المحمص) بثمانية آلاف ليرة من السوق اللبنانية، نعمد كتعاونية إلى شرائه من سوريا بثلاثة آلاف ليرة، ويكون من النوعية الجيدة التي تخلو من الشوائب». ولا تقتصر المواد التي تستقدمها تعاونية مواسم الخير ـــــ طاريا، من السوق السورية، على القمح فقط، بل تمتد لتشمل، كما تؤكد حمية، معظم المواد التي تعاني التعاونيات ندرتها أو ارتفاع أسعارها أو حتى عدم نظافتها.
خليل محفوظ، رئيس تعاونية إنتاج وتسويق اللوز والزيتون في البقاع الشمالي، أشار إلى أن التعاونيات الزراعية في المنطقة لا تحظى بأي دعم حكومي رسمي، «لذلك نجد أنفسنا بمفردنا في مواجهة أدوية ومبيدات مرتفعة الثمن، وأعباء توفير المياه لأراضينا التي تقع في منطقة شبه صحراوية. لذلك، من الطبيعي أن نلجأ إلى الأسواق السورية بغية شراء الأدوية الزراعية والأسمدة التي نحتاجها، فضلاً عن أنابيب الري المضغوطة»، فالفارق في الأسعار كبير، «يفوق الثلث أحياناً، أي بنسبة 25%»، كما يؤكد. ولفت محفوظ إلى أن الهدف من الاعتماد على السوق السورية في توفير بعض المواد هو «الحصول على المنتج بأكلاف معقولة، ما يتيح للمستهلك شراء المنتج بعد طرحه في السوق، الأمر الذي يحقق لنا بعض الربح، لا الإصابة بالخسارة والكساد، نتيجة الأكلاف العالية». وإزاء هذا الواقع يسجل لمنظمات المجتمع المدني حضور بارز وداعم للتعاونيات البقاعية، يتجلى ذلك من خلال تقديم التجهيزات وإقامة الدورات التدريبية والتأهيلية وحتى فتح آفاق تسويقية للمنتجات التي تصنعها التعاونيات. فقد لفت محفوظ إلى أن مؤسسة التعاون الإيطالي تعتبر «الداعم الفعلي خلال الفترة الأخيرة للتعاونيات التي تعنى بالزيتون وزيت الزيتون»، موضحاً أن المؤسسة تساعد في خدمة التسويق والترويج للزيتون، كما تبرعت للتعاونية التي يرأسها بآلة خاصة بشحار الزيتون، فضلاً عن وعودها لها بتأمين تجهيزات أخرى بما فيها آلة لتصنيع جفت الزيتون وتحويله لحطب ذي شكل أسطواني.
لا يختلف وضع تعاونية زادت الخيرات (بدنايل والجوار) التي تصنّع الألبان والأجبان والمربيات والمخللات، عن غيرها من تعاونيات المنطقة لجهة السعي المتواصل من أجل حل مشكلة غياب دعم الدولة وعدم وجود أسواق لتصريف الإنتاج، كما تشرح الدكتورة راغدة المصري، رئيستها. فإحدى أهم المشكلات التي تواجه التعاونية بحسب رأيها تعود إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية ارتفاعاً لافتاً تفرضه في بعض الأحيان ندرة عدد من المحاصيل، وعندما تصل إلى التسويق تسيطر الأسعار الزهيدة، التي «تفرض علينا كتعاونية بيع المنتجات وإن بخسارة، لكي لا يتراكم الإنتاج ويتكدس من عام إلى آخر». ورأت المصري أن المشكلات التي تواجه الإنتاج الزراعي كثيرة ويمكن حصرها في غياب تطبيق سياسة التصنيع الزراعي وعدم ربطها بسياسات الإنتاج، وعدم إدراجها في نظام الحوافز والتسهيلات التي تقدمها الدولة، وهو الأمر الذي يمثّل عائقاً أمام أداء الدور المطلوب للتعاونيات في تحقيق الأمن الغذائي وتحقيق مستوي معيشي أفضل للعاملين فيها. بدورها، تسعى بعض التعاونيات الزراعية، حرصاً منها على المحافظة على جودة منتجاتها، إلى شراء بعض المنتجات الزراعية من سوريا عند عدم توافرها في البقاع لدى المزارعين «الموثوق بهم»، كما تؤكد منى رحال رئيسة الجمعية التعاونية الإنمائية في بلدة الفاكهة (طيبات)، التي أشارت أيضاً إلى أن الرقابة في سوريا ما زالت فاعلة، فيما هي معدومة في لبنان، وخاصة «أننا نعمل في تصنيع منتجاتنا الزراعية وفقاً لمعايير صحية دولية (هاسب)» كما تقول.