المحامي ألبير فرحات رفع دعوى على نقابته، محامون مستاؤون من تعميم النقيبة أمل حداد الذي يحدّ من حرية التعبير، ثمة من يُذكّر بتكاليف الانتساب إلى النقابة، فيما يذهب آخرون إلى السؤال: من يدافع عن المحامين ضد نقابتهم؟
غدي فرنسيس
ما الذي يجري في نقابة المحامين في بيروت؟ هذه الدار التي تأسست عام 1919، ظلت في عرف العامة بعيدة لعقود عن أية تساؤلات، وقد بدأت «أخبارها» تحتل حيّزاً من اهتمامات وسائل الإعلام. في 15 الشهر الجاري، ردت المحكمة الجزائية المدنية الدعوى التي أقامها المحامي ألبير فرحات على النقابة. زيارة محامين إلى ليبيا أثارت جدلاً كبيراً، كذلك فإن المحامين ـــــ بمعظمهم ـــــ يستهجنون التعاميم الصادرة عن النقابة والمتعلقة بوجوب امتناع المنتسبين إليها عن الإدلاء بتصاريح إعلامية.
هذه المواضيع تمثّل عناوين جديدة في النقاشات الدائرة حول «أم النقابات»، لكن ثمة مشاكل أخرى «قديمة العهد» نسبياً تؤرق المنتسبين والطامحين إلى الدخول إلى النقابة، ومنها رسوم الانتساب، وعدم حماية المتدرجين من الاستغلال وتقديم ضمان صحي بعيداً عن شركات التأمين التجارية، وغير ذلك من العناوين.
أخيراً، قررت المحكمة الجزائية المدنية قبول دعوى المحامي فرحات على نقابته بالشكل ورفضتها بالأساس. ويقول فرحات إنه سيتقدم بدعوى لاستئناف هذا الحكم، ويُذكّر بأنه رفع الدعوى «على النقابة لطلب إبطال الجمعية العمومية، وبصورة خاصة لإبطال التصديق على التقرير المالي الذي رُفض طرحه على المناقشة وصُوّت عليه مباشرةً برفع الأيدي، حيث رفع تسعة أشخاص أيديهم من أصل مئات المحامين».
يتابع المحامي فرحات: «إذاً زُوّر المحضر للتصديق على الموازنة وقطع الحساب السنوي. مئة وخمسون محامٍ قدموا عريضة إلى النقيب السابق رمزي جريج طلبوا فيها عرض التقرير المالي على النقابة في جلسة خاصة مستقلة عن جلسة الانتخاب التي يختلط فيها الحابل بالنابل. النقيب رفض طبعاً، وطرح التقرير رأساً على التصويت. لذلك، سأتابع الدعوى، وطلبتُ إدخال النيابة العامة طرفاً أصيلاً».

أين سجل الجلسات؟

المحامي ألبير فرحات: سأتابع الدعوى وطلبت إدخال النيابة العامة طرفاً أصيلاً
يكثر الحديث ضمن أوساط المحامين عن الموازنة المتعلقة برواتب بعض الموظفين في النقابة، ويُطرح سؤال عن مدى مراقبة عمل الموظفين في النقابة، بعض المحامين يُذكرون بحكم مبرم صدر ضد نهاد أ. م.، الموظف السابق في النقابة الذي حوكم بتهمة اختلاس نحو 219 مليون ليرة، وقد أرسلت النقابة إنذاراً بتحصيل المبلغ. في هذه القضية تحديداً يطرح بعض المحامين السؤال الآتي: «أين أصبحت قضية تحصيل الأموال المختلسة؟».
يقول المحامي فرحات: «أعضاء مجلس النقابة يحلفون يمين السرية لمداولات المجلس، ومعظمهم لا يلتزمون بها. هم أعضاء منتخبون، والذي يتولى خدمة عامة بالانتخاب خاضع للمساءلة والمحاسبة. إن قرارات مجلس النقابة لا تحمل أرقاماً متسلسلة، وقد نواجه بقرار يحمل تاريخاً مضى قبل عشر سنوات». ويضيف: «كان هناك سجل لمحاضر جلسات المجلس، ومنذ نحو عشر سنوات توقفت سجلات المحاضر».
أحد أعضاء اللجان التابعة للنقابة فضّل عدم ذكر اسمه، لكنه أكد أنه يتفق مع فرحات على أن القيّمين على النقابة «يخالفون قانون تنظيم مهنة المحاماة أمام عيون آلاف المحامين، أولاً من خلال وضع نظام داخلي بالنقابة لا يتوافق مع القانون، وهو لم يعلن ولم يعرض على الجمعية العمومية ولم يعرض على وزارة العدل، وبقي سريّاً لفترة طويلة ثم نشر بالصدفة بعد عدة سنوات في مجلة العدل».
يشتكي محامون من أن النقابات تؤدي عادة دور الضامن لحقوق المنتسب إليها، لكن الانتساب إلى نقابة المحامين يجعلهم يرزحون تحت أعباء كبيرة. يقول المحامي فرحات: «هناك رسوم باهظة تُفرَض على المحامين تغلق أبواب النقابة أمام ذوي الدخل المحدود. هناك صندوق تعاوني مثلاً عليه أن يوفّر الضمان الصحي للمحامي، لكن تحت ذريعة أن إدارة هذا الصندوق تتطلّب اختصاصاً، جرى تلزيم التأمين لشركات خاصة من طريق مناقصة ثم ألغيت المناقصة لعدة سنوات، جرى فيها تلزيم التأمين لشركة خاصة بالتراضي. الشركة تستوفي سنوياً من المحامين وعائلاتهم وموظفي النقابة ما يوازي 45 مليون دولار».
جورج بارود، المقرر والمسؤول عن شؤون القيد في جدول المحامين المتدرجين، كشف عن مساعٍ جدية «لدراسة مشروع مرتبط بالضمان الصحي للوصول إلى أفضل الحلول، وقد تكون هذه السنة الأخيرة التي نعتمد فيها على التعاقد مع شركة خاصة».
جورج جريج، يضطلع بعدة مسؤوليات في مجلس النقابة، ويقول: «أنادي بصندوق للتعاضد تابع للصندوق التعاوني، ولا يتوخى الربح بعكس شركات التأمين الخاصة التي تجني أموالاً طائلة. هذا ما عبّرت عنه في حملتي الانتخابية».

الشكاوى تتراكم

رسوم باهظة تُفرَض على المحامين وتغلق أبواب النقابة أمام ذوي الدخل المحدود
يقول بارود: «لدينا الكثير من الشكاوى أمام النقابة، يحيلها النقيب على مقرر ليحقق فيها، ثم في ضوء التحقيق يؤخذ التدبير المناسب من تنبيه ولوم إلى شطب مؤقت من النقابة إلى شطب نهائي، بعد خضوع المحامي المعني لمحاكمة أمام مجلس تأديبي. كل شخص يستطيع أن يشتكي أمام النقابة، لأن المحامي المنتسب إلى النقابة لا يلاحق جزائياً، ولا يحقق معه ولا يمكن أي شخص أن يطلبه، فلديه حصانة لا ترفعها عنه النقابة إلا في حال تأكدها من ارتكابه ما هو متهم به»، وهنا يلفت إلى أن «هناك شطباً لعدد لا بأس منه من المحامين المخالفين في المدى المنظور. كذلك تجري دراسة اتفاقية الأتعاب من لجنة مختصة بالتنسيق الدائم مع مجلس القضاء الأعلى. هدفنا تسهيل عمل المحامي وتنظيمه وضمان مصالح أصحاب الحقوق بالسرعة المطلوبة».
يؤكد بارود أن الجمعية العامة تناقش «الموازنة وقطع الحساب، لأن البيان المالي يوزّع على جميع المحامين قبل الجمعية العمومية الأولى ويوضع للاطّلاع من جميع المحامين من دون استثناء، بعد التدقيق فيه، من جميع أعضاء المجلس ومدقق المحاسبة وأمين الصندوق، للمحامين حق الاطّلاع والاعتراض. في الجمعية العمومية الثانية للنقابة يكتمل النصاب بمن يحضر، تناقش الموازنة وقطع الحساب، ثم يُصدَّق برفع الأيدي، فتبرّأ ذمة المجلس ثم يُنتخَب ثلاثة أعضاء جدد».
وعن تذمر بعض المحامين من محضر الجمعية العمومية والتصويت، يرد بارود: «اللوم على المحامين الذين يُشغَلون بالانتخابات عوضاً عن الاطلاع على بيان المجلس المالي، لا يصرف قرش من دون تدقيق كامل أعضاء المجلس بشفافية».

حرية التعبير

في إطار مناقشة أداء مجلس النقابة، فإن قضية «حرية التعبير» من أبرز العناوين المطروحة.
«عطفاً على التعاميم الصادرة سابقاً عن نقابة المحامين المتعلّقة بوجوب امتناع المحامين عن الإدلاء بتصاريح إعلاميّة»، أصدرت نقيبة المحامين، أمل حداد، تعميماً جاء فيه من «زملائها المحامين عدم إبداء آراء قانونية ذات موضوع عام» وذلك «انطلاقاً من أن حق المحامي وواجبه هما المرافعة والمدافعة عن موكّله أمام أقواس المحاكم وفي دور العدل، ولدى المراجع القضائية والإدارية المختصة، لا من خلال المنابر الإعلامية، ما لم يأذن بذلك نقيب المحامين، سنداً لأحكام قانون تنظيم المهنة، وصوناً لحصانة المحامي المرتبطة بمزاولة المهنة. ضمن الأصول التي نص عليها القانون، ولا سيّما المادتان 85 و86 من تنظيم مهنة والمادة 6 من نظام آداب المهنة ومناقب المحامين». وتختم نقيبة المحامين بأنها «الحريصة على تقيّد الزملاء المحامين تقيّداً دقيقاً بمضمون هذا التعميم، ستسهر على حسن تطبيقه، واتخاذ كل إجراء يخوّلها إياه القانون في حال المخالفة». ربما تقيداً بهذا التعميم، رفضت حداد التحدث إلى «الأخبار» قبل الاطلاع على المواضيع التي ستطرح عليها، وبعد الاطلاع لم يعد التواصل معها متاحاً، لأسباب غير معروفة.
تنص المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة على أنها مهنة «تهدف إلى تحقيق رسالة العدالة بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق»، ويرى بعض المحامين أن النقابة لا تستطيع أن تأخذ من المحامي حقه بالتعبير وإبداء الرأي في مختلف المواضيع، وذلك أسوة بجميع المواطنين.
بعض المحامين يؤكدون أن المادتين المذكورتين كمرجع، لا تمتّان بصلة إلى الموضوع المطروح في التعميم، فتحظر المادة الـ85 على المحامي «السعي لاكتساب الزبائن سواء بوسائل الدعاوى أو باستخدام الوسطاء أو السماسرة أو بغير ذلك من الوسائل، ولا يجوز له أن يخصص حصة من بدل أتعابه لشخص من غير المحامين». أما المادة الـ86 فتحظر «على المحامي الإعلان عن مكتبه، ولا يحق له أن يعلق على مدخله أكثر من لافتة تحمل اسمه».
تعليقاً على تعميم النقيبة حداد، يقول النائب المحامي غسان مخيبر: «لا بد من التفرقة بين حرية التعبير عن الرأي والدعاية. إن قانون آداب المهنة يمنع الدعاية الملتوية، لكن هناك فرق كبير بين الرقابة المسبقة والرقابة اللاحقة. من حق نقابة المحامين أن تحيل محامياً على التأديب إذا أخل بالقانون، لكن الرقابة المسبقة تخالف المبدأ الدستوري، وعلينا أن نحاكم على الأفعال لا على النيات».


ثمن تذكرة الدخول: أربعة ملايين أو أكثر

«النقابة تغلق أبوابها أمام الفقراء، هي نقابة الأغنياء»، يقول المحامي ألبير فرحات، ويشاركه في هذا الرأي عدد من المحامين، إذ إن رسم الامتحان أصبح ثلاثمئة ألف ليرة، ثم في حال النجاح من المرة الأولى، يترتّب على المحامي الجديد أن يدفع مبلغ ثلاثة ملايين ليرة رسم الدخول إلى النقابة، مقابل خدمات عدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مجلة العدل، ورسم التعاقد وغيره من الرسوم، فضلاً عن بدل التأمين الصحي للشركة الخاصة المتعاقدة مع النقابة، حوالى ثلاثمئة ألف ليرة أيضاً، وثمة أحاديث في النقابة عن إمكان رفع رسم الدخول إلى النقابة إلى خمسة ملايين ليرة.
إذاً يترتب على من يريد العمل ضمن نقابة المحامين أن يدفع مبلغاً ليس سهلاً توفيره في ظل الوضع الاقتصادي الخانق. وفي كل عام، يتجدد الاشتراك في النقابة مقابل مبلغ قدره ستمئة وخمسون ألف ليرة، ويتجدد التأمين وفق سعر الشركة المتعاقدة. لكن المجلس الحالي وعد بالعمل على إنشاء صندوق للتأمين الصحي خاص بالنقابة.