بين مطرقة عدم تخصّص الأطباء الشرعيّين في لبنان في مادة الطب الشرعي، وسندان غياب الوسائل العلمية والتقنيات التي يجب أن تكون موضوعة تحت تصرفهم، تتعدّد مروحة الثُّغر التي يعانيها هذا المجال، الذي يمثّل شرطاً من شروط العدالة الصحيحة
إكرام الشاعر
تنص المادة 39 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنه: «إذا مات شخص قتلاً، أو بأسباب مجهولة باعثة على الشبهة، يستعين المدعي العام بطبيب أو أكثر لتنظيم تقرير بأسباب الوفاة وبحالة جثة الميت»، وتنص المادة 40 من القانون نفسه على أن «الطبيب ملزم بأداء القَسَم القضائي أمام رئيس محكمة الاستئناف، على أن يقوم بمهمته بما يفرضه الضمير، لذلك يُعدّ الطبيب الشرعي ضابطاً عدلياً مساعداً للعدالة». في هذا السياق تعرّف المادة الأولى من المرسوم 7384 الطبيب الشرعي بأنه «اختصاصي بالمعاينات الطبية وأعمال التشريح، ويعطي تقارير بشأنها في الحوادث الجزائية». ومن هنا أهمية التخصص في الطب الشرعي أو الطب العدلي، الذي يُعدّ أحد الفروع التخصصية في الطب الحديث، الذي تتبلور فيه الصلة الوثيقة بين الطب والقانون والعدالة. نص المرسوم الموقّع من وزير الصحة الأسبق مروان حمادة في 10/5/1993 على أنّ على الطبيب الشرعي أن يتخصّص 3 سنوات، أو أن يتخصص سنة واحدة في الطب الشرعي، وذلك بعد نيله شهادة الباتولوجيا (علم الأمراض) التي تتطلّب دراستها 4 سنوات، ويحصل في نهايتها على شهادة الدراسات الطبية التخصصية في الطب الشرعي، وفي معظم الدول يخضع في نهايتها لامتحان على المستوى الوطني، ويُشترط أن يكون بين الممتحِنين أجانب لتحقيق أعلى درجات الشفافية، كل ذلك بعد دراسة الطب العام لـ 7 سنوات.
لكنّ وزارة العدل ضربت بمقاييس وزارة الصحة عُرض الحائط، وما زالت تخضع لروحية القانون القديم، الذي كان معمولاً به في الأربعينيات، أي قبل أن تتحقق القفزة النوعية في مجال الطب الشرعي، الذي صار يمثل المسافة الفاصلة بين الحرية وحبل المشنقة، فهي تعيّن أطباء شرعيّين «غير شرعيين» من اختصاصات أخرى، وقد أُسقط قانون شرط إلمامهم بأعمال الجراحة.
في جدول الأطباء الشرعيّين المعيّنين من جانب وزارة العدل 80 طبيباً، موزّعين على المحافظات اللبنانية الستّ. الجدول حصلت عليه «الأخبار» من مصلحة الأحداث بعدما حوّلتنا رئيسة مصلحة الطب الشرعي إليها لتحميل الجدول عن الموقع الإلكتروني الخاص بها، لأنه ليس لمصلحة الطب الشرعي موقع إلكترونيّ، فبين هؤلاء اختصاصيون في الأمراض الجلدية والزهرية، أو من يحمل شهادة في الطب العام، وتعتمد المحاكم على تقاريرهم، فهم يمثلون أمامها للإدلاء بالشهادة، أو إعطاء رأي خبرةٍ، ومواجهة محامي الضحية ومحامي المتهم على حدّ سواء.
لطب الأسنان أهمية كبرى في مجال الاستعراف، فالأسنان من العناصر المقاومة لمرور الزمن والظروف الطبيعية، لكن هذا الاختصاص لا محل له من الإعراب في لبنان نظراً إلى عدم توافر ملفات وصور لأسنان كل المواطنين عند أطبائهم، فهؤلاء يجب أن تكون حواسيبهم موصولة بشبكة متصلة مباشرةً بشبكة إلكترونية تابعة للأدلة الجنائية لمطابقتها مع المعطيات الموجودة لديها.
بالاطّلاع على جدول الأطباء المتخصصين في الطب الشرعي، والمسجلين في نقابة الأطباء وعددهم 26 طبيباً، يتبين أن نصفهم لم تعيّنه وزارة العدل ـــــ رغم النقص الحاد في الاختصاصيّين ـــــ ولا عجب في أن تكون ملفات هؤلاء لتقديم ترشّحهم لمنصب الطبيب الشرعي في أدراج الوزارة «قيد الدراسة»، بينما يفضَّل غيرهم من الأطباء غير المتخصصين لملء الشواغر، وذلك في ظل قرار نصّه: «يعيّن الطبيب الشرعي من خلال مرسوم يُتخذ بناءً على اقتراح وزير العدل المبنيّ على رأي لجنة مؤلفة برئاسة النائب العام الاستئنافي وعضوية مدير الصحة والإسعاف العام، ومدير الداخلية، ويوقّع على المرسوم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل». ولا بد من لفت النظر إلى تفاوت في المعلومات بين جداول نقابة الأطباء وجداول وزارة العدل، فمثلاً الدكتور الياس رشيد سعادة مسجّل طبيباً شرعياً، فيما نقرأ في جداول وزارة العدل أنه سجّل في جداول النقابة اختصاصي أمراض جلدية.
إذا كانت وزارة العدل قد رفعت مقاييسها في الأعوام الأخيرة، فإنّ متابعين لملف تعيينات الأطباء الشرعيين يلفتون إلى اسم أحد الأطباء مدرجاً على لائحة نقابة الأطباء كطبيب شرعي، بعدما سجل شهادة تخصصه التي نالها من جامعة أجنبية، مع أنه كان يعمل خلال السنوات الثلاث السابقة لهذا التسجيل، على الأراضي اللبنانية في مجال تخصصه الأصلي، أي الطب النسائي. يضيف المتابعون «لا أحد يطّلع على جواز سفره ليعرف متى سافر وحصل على تخصصه المزعوم، ولا أحد يراقب إن كان هو من يملأ خلال تلك الفترة وصفات طبية لمرضاه المنتسبين إلى صندوق الضمان الاجتماعي، أو يعالجهم في المستشفيات على نفقة وزارة الصحة؟».
يلفت رئيس الجمعية اللبنانية للطب الشرعي الدكتور حسين شحرور إلى وجود طفرة في الأطباء الشرعيين «علماً أننا لسنا في حاجة إلى أكثر من 15 طبيباً لتحقيق الاكتفاء إذا أُسّست وحدة مركزية للطب الشرعي يترأسها من تكون لخبرته الكلمة الفصل في الحالات التي يتردّد بشأنها الأطباء في المحافظات، يعاونه مدير إداري».
مصلحة الطب الشرعي والأدلة الجنائية تعاني نقصاً في الموارد البشرية، وثمة حاجة ملحّة إلى موظفين لتنهض بمهمّاتها، رئيستها لم تزل رئيسة بالتكليف منذ عام 2005. للمصلحة مهمّات إدارية، فهي كما تقول رئيستها بالتكليف جيزيل صادق «تضع جدول مناوبات سنوياً للأطباء الشرعيّين في المحافظات، وهم ملتزمون به انطلاقاً من أخلاقيات المهنة، وإذا لم يحضر الطبيب الأصيل لأسباب قاهرة يحلّ مكانه الطبيب الرديف»، وتلفت صادر «يزوّد الأطباء المصلحة في نهاية كل شهر بنسخة عن التقارير التي يرفعونها إلى النيابة العامة، لتحدَّد أتعابهم سنداً إلى المرسوم رقم 8076 الذي عدّل المرسوم الأساسي بتاريخ 12/3/1996، وتحال على المدير العام لوزارة العدل عبر ديوان الوزارة، وبعد المرور بقسم المحاسبة في الوزارة تأتي الحوالات إلى الأطباء من وزارة المالية»، وتؤكّد صادق «نحن على اطّلاع على التعاميم التي تصدرها نقابة الأطباء في لبنان لمعرفة أسماء الأطباء المتوفَّين أو المتعاقدين أو المشطوبين عن جدولها لأسباب مثل عدم تسديد الرسم السنوي».
يعمل الطبيب الشرعي مباشرةً تحت سلطة وزارة العدل، يمارس مهمّته تحت رقابة النيابة العامة مباشرةً، ولها وحدها حق دحض تقريره أو الأخذ به، من خلال لجان طبية تعيّنها لإعادة بتّ أيّ تناقض قد يرد في التحقيق.
يقول الطبيب الشرعي الدكتور أحمد المقداد «للمتضرر الحق في أن يطلب استشارة طبيب شرعي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأهل بعد أن يفقدوا قريباً، ومن الأفضل أن يجري ذلك خلال الـ24 ساعة التي تلي الحادث». يحاكَم الطبيب أمام المحاكم الجزائية تأسيساً على المادة 565 وبالاستناد إلى المواد 555 و554 من قانون العقوبات اللبناني تحت عنوان «إيذاء ناجم عن خطأ المجرم»، علماً أنه جرى تعديل الغرامة الواردة في الفقرة 2 من هذه المادة بموجب القانون رقم 239 تاريخ 27/5/1993 على الوجه التالي «يعاقب على كل إيذاء غير مقصود بالحبس ستة أشهر على الأكثر أو بغرامة لا تتجاوز مئة ألف ليرة»، فخفف العقاب بعدما كان يراوح بين شهرين وسنة. ويتبيّن لنا دور الشاكي المحوري في العقاب انطلاقاً من الفقرة التالية من هذه المادة: «وتعلّق الملاحقة على شكوى المجني عليه إذا لم ينجم عن الإيذاء مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تتجاوز العشرة أيام». «وتقدَّم الشكوى لدى النيابة العامة التي تعيّن لجنة أطباء لإعادة الكشف على المتضرر، وإذا تبيّن عدم صحة التقرير يحال الطبيب المانح على المجلس التأديبي لمحاكمته بالتوقيف الفوري المؤقت، أو بالشطب من جدول وزارة العدل أو ربما يقتصر العقاب على التأنيب تبعاً لحجم الخطأ وأهميّته في التحقيق». ويشير الدكتور حسين شحرور إلى أن: «معظم الأخطاء، وبعيداً عن الغوص في النوايا، هي ثمرة محدودية كفاءة الأطبّاء العلمية والعملية وقلة الخبرة في التعاطي مع الحالات الجزائية. فالسر الكامن من خلف أسباب الخطأ في معاينة الجثة، والخروج بانطباع صحيح هو التصوّر المسبق عن أن سبب الوفاة طبيعي».
مهمة الطبيب الشرعي في لبنان صعبة للغاية، تتحكّم فيها الترجيحات، وخاصةً إذا كان التشريح مستحيلاً بسبب معارضة الأهل لأسباب دينية واجتماعية، عندها يعتمد الطبيب على العلامات الخارجية الظاهرة على الجثة. علماً أنّ التشريح يُعدّ عملية جراحية، وأن القضاء، خدمةً للتحقيق، يستطيع أن يفرض تشريح الجثة.
يلفت أطباء شرعيون إلى وجه آخر لمعاناتهم، فعدد من المستشفيات الخاصة يجهد للتخلص من الجثة منعاً لاستعمال أدواتها، ومعظم تلك المستشفيات لم يخصّص غرفة للتشريح.
أما بالنسبة إلى المستشفيات الحكومية، فإن الحديث عن المشارح مسألة دقيقة، أطباء شرعيون يقولون إنّ الجثث تكثر أحياناً في مشرحة بعبدا، وقد ينقطع التيار الكهربائي عن براداتها. أمّا مستشفى بيروت الحكومي، فقد أدى دوراً كبيراً في مجال التعرف إلى جثث ضحايا الطائرة الإثيوبية، فيه غرفة عمليات للتشريح ذات مواصفات متطورة، إضافةً إلى مختبر لإجراء الفحوص وحفظ الأعضاء، ومختبر للأنسجة، وغرفة مجهزة تجهيزاً كاملاً لحفظ الجثث. رغم كفاءة العاملين فيه، ثمة أطباء مشهود لهم يؤكدون أنه لم يُنظَر في ملفات التوظيف (أو التعاون) التي تقدّموا بها. الدكتور أحمد المقداد الطبيب الشرعي في المستشفى يقول: «إنّ ثمّة إدارة خاصة تتولّى شؤون المستشفى، وتحتفظ بحقها في اختيار الأطباء من ذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص».
المختبرات التي تعتمد على «الشيفرة الوراثية»، متوافرة منذ عام 2001 لدى قسم الأدلة الجنائية في قوى الأمن الداخلي، وهي فاعلة اليوم، وكانت تستعين بمختبرات خاصة لمعهد الـ«اي يو أس تي» التي تعدّ الأفضل في الشرق الأوسط في مجال تحليل السموم والأنسجة، حيث إنّ للقطاع الخاص فضلاً كبيراً في هذا المجال. علم البصمات في لبنان لم يزل يعتمد على الطريقة التقليدية مع البودرة والفرشاة، بدل أن تُكشف بصمات الأصابع بوضعها فوق ماسح إلكتروني، حسّاس للحرارة فيقرأ التوقيع الحراري للإصبع، ثم يصنع الماسح نموذجاً للبصمة، ويضاهيها بالبصمة المخزّنة. ومن هنا ضرورة أن يكون الاستحصال على بطاقة الهوية بأهمية صون الحق العام، فيكون المحافظ والمختار والقائمقام ووزارة الداخلية حلقة كاملة، ولتكون البصمات المحفوظة في السجلّات المدنية لكل من لديهم بطاقة هوية لبنانية موجودة أيضاً في مصالح الأدلة الجنائية فاتحةً الباب للكشف عن أكبر المجرمين.
في عام 2000 التقى عاملون في المجال القضائي من أطباء شرعيين وغير شرعيين ومحامين، وأسّسوا الجمعية اللبنانية للطب الشرعي لتحسين مستوى الموارد البشريّة في هذا المجال، عبر دورات تدريسية وتدريبية تحت إشراف محاضرين أجانب. وقد رفع معهد أي يو أس تي الحمل الأكبر على حدّ تعبير رئيس الجمعية. وكان من بواكيرها تنظيم المؤتمر العربي الأول للطب الشرعي في لبنان الذي عقد في 18/9/2003، لكن إزاء شح الدعم المادي، لم تعاود الجمعية عقد المؤتمرات، علماً أنها تسعى بالاتصال مع الجهات المختصة إلى استكمال مشروع معهد الطب الشرعي، الذي كانت ملامحه قد بدأت تتكوّن في الكرنتينا حتى عام 1973، يقول الدكتور حسين شحرور «لا لقاء بين العدل والاحترافية في ممارسة الطب الشرعي إلّا في رحاب معهد الطب الشرعي، الذي يجب أن يضم جامعة لتدريس هذا الاختصاص، ومشرحة متطورة، ومختبرات لإجراء كل الفحوص، فضلاً عن قاعات المحاضرات التي توفّر للأطباء الاطّلاع النظري والتطبيقي على تطورات هذا العلم الحديث».

وزارة العدل ما زالت تخضع لروحية القانون القديم الذي كان معمولاً به في الأربعينيات
انطلقت مبادرة الاتحاد الأوروبي لتخصيص ميزانية قدرها 2,7 مليون يورو لمشروع تطوير التدريب المهني للعاملين في المجال القضائي، بعدما قدّم الاتحاد الأوروبي هبة للبنان من خلال مشروع «دعم تطبيق الإصلاحات»، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وأدارته وكالة التعاون القضائي الدولي «أكوجوريس». تقرّر من خلال المشروع توسيع عملية التدريب لتشمل كل الفاعلين في عالم القضاء لتعزيز قدرات وزارة العدل ودعم الاحترافية المهنية لمجموعة العاملين في المجال القضائي. حتى 5 آذار 2010، أجريت 21 دورة لتدريب 430 شخصاً من جميع فئات الفاعلين القضائيّين الملحقين بوزارة العدل من قضاة وكتّاب عدل وخبراء قضائيين وأطباء شرعيين، وشملت مواضيع مثل «القانون الجزائي والأصول الجزائية»، و«القانون المدني والأصول المدنية»، و«مفاهيم وممارسة الطب الشرعي»، ومواضيع خاصة بنقابة المحامين مثل «الوساطة والتحكيم»، استفاد منها 850 محامياً، تقول الدكتور أمل العبد الله المستشارة القانونية للمشروع في لبنان إنه «شامل، ويهدف إلى دعم مختلف العاملين في المجال القضائي، وخاصةً الأطباء الشرعيين».
يُشار إلى أهمية أن يخضع كل العاملين في القضاء من كتبة وأطباء شرعيين ومحامين وغيرهم لدورات تدريبية في معهد التدريب القضائي قبل دخولهم السلك الوظيفي، لكن المعهد، منذ الستينيات، لا يدرب سوى القضاة دون سواهم.


المعاملة ضاعت... لم تضع

حوالى التاسعة من صباح 29 آذار الماضي، شوهدت لآخر مرة المعاملة التي تقدّمنا بها لطلب إذن خطي من المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور لإجراء مقابلة مع رئيسة مصلحة الطب الشرعي بالوكالة جيزيل صادق، فيما كانت الموظفة في ديوان وزارة العدل تسجّلها تحت رقم 1841/3 في دفترها العتيق الضخم ذي الدفّتين العثمانيّتين، وبعد هذا التاريخ انقطعت أخبار تلك المعاملة.
رغم أن الموظفة سجلت لديها الاسم ورقم الهاتف، واعدةً بالرد خلال يومين، فإنّ ذلك لم يحدث، علماً أن عملية التحويل تقتصر على نقل الورقة من ديوان وزارة العدل إلى مكتب المدير الملاصق له.
بعد ثلاثة أسابيع أفاد المدير العام بأنّ «المعاملة ضاعت في فوضى الأوراق»، وطلب معاودة إرسالها عبر رقم فاكس حدّده، لكنّ الجهود لإرسالها عبره لم تثمر، لقد كان الجهاز معطّلاً.
تقدّمنا بنسخة جديدة عن المعاملة إلى مكتب المدير هذه المرة مباشرةً، فرُتّب موعد لنا مع رئيسة مصلحة الطب الشرعي. عند إجراء المقابلة كانت مفاجأتنا كبيرة، إذ تبين أن المعاملة الرقم 1841/3 على مكتبها (!)


مراسيم وتنظيم

في 14/11/1946 صدر المرسوم 7384 الخاص بالأطباء الشرعيين وتنظيم مهنتهم وأرفق به جدول أتعابهم، وفي 10/3/1953 أنشئت مصلحة الطب الشرعي فألحقت بوزارة العدل، ثم أضيفت إليها مهمات الأدلة الجنائية بموجب المرسوم الاشتراعي الرقم 151 بتاريخ 16/9/1983 والمعدل بالمرسوم الاشتراعي الرقم 33/85 الذي أضاف إليها كل ما يتعلق بالأدلة الجنائية. منذ هذا التاريخ لم يوضع مرسوم تنظيمي وفقاً لما نصت عليه المادة 31 من المرسوم على الرغم من المحاولات ومنها مشروع لمرسوم عُمل على إنجازه لكنه ما زال حبراً على ورق في أدراج مجلس الخدمة المدنية.


تشريح بـ150 ألف ليرة

يشير الدكتور حسين شحرور إلى أنّ «أفضل المعاينات هي التي تجري في مسرح الجريمة للتنبّه إلى وضعية الجثة، وملابس الضحية ووجود البقع الحيوية، والاستعانة بالتصوير الفوتوغرافي، ومن هنا ضرورة عمل الطبيب الشرعي يداً بيد مع الأدلّة الجنائية لجمع الأدلة الحسية». للطبيب الشرعي الحقّ في رفض معاينة ضحية حتى تتوافر الظروف المناسبة التي تحترم خصوصية الحالة، ويلفت متابعون إلى أن كثيراً من ضحايا الاعتداءات الجنسية قد عُوينوا في المخافر التي تنعدم فيها على الأقل الإنارة الجيدة، وفي حضور رجال الشرطة. وما يزيد الطين بلّةً هو عدم تخصيص وزارة العدل رواتب للأطباء الشرعيين تتناسب مع مركزهم المحوري في تحقيق العدالة. حتى الأطباء أنفسهم ليسوا متحمسين لهذه الخطوة، لأنّ الرواتب مهما ارتفعت تظل رمزية، فأتعاب عملية التشريح مثلاً لا تزيد على 150 ألف ليرة لبنانية!