يقر أهالي دير قانون رأس العين، قضاء صور، بالدعم الذي حظيت به الجمعية التعاونية للتصنيع والإنتاج الزراعي عند تأسيسها عام 2005، إلا أنهم يتفقون على أن لإرادة القائمات عليها ومثابرتهنّ الفضل الأكبر في نجاحها وتوسعها
صور ـــ آمال خليل
تعد تعاونية دير قانون رأس العين ثمرة لعمل «التنظيم النسائي التابع لحركة أمل» في البلدة الذي نظم قبل اثني عشر عاماً دورة تدريبية على الخياطة والتصنيع الغذائي بالتعاون مع جمعية الشبان المسيحية، بهدف تمكين النساء اقتصادياً. ولما شرعت بعض المتدربات بتطبيق ما تعلمنه في بيوتهن عبر صناعة المربيات والعصائر ونشر طريقة تحضير المأكولات الصحية والزراعات العضوية، أعيد، بعد ست سنوات، تنظيم دورة ثانية للتصنيع امتدت على ثلاثة أشهر وحضرها معظم من شاركن في المرة الأولى، وهن حوالى ستين سيدة من البلدة ومن بلدات عين إبل والقصيبة والسماعية. بعض السيدات المشاركات تلقفن التجربة وقررن استغلال الخبرة التي اكتسبنها عبر تنظيمها في إطار جماعي مشترك، فكان إطلاق الجمعية التعاونية تحت اسم «مواسم الضيعة» ومركز التصنيع الغذائي في أيار من عام 2005.
في البدء، طلبت اللجنة التأسيسة المكوّنة من اثنتي عشرة سيدة الدعم من مجلس الجنوب الذي موّل بناء المصنع الصغير. أما الجمعية المسيحية، فقد أمدّتهن بتجهيزات التصنيع الأولية، كما ساهمت خلال الأشهر الأولى في توفير مواد التصنيع وتسويق المنتجات وتأمين بدل أتعاب للعاملات. في ما بعد، وجدت المؤسسات أنفسهن أمام تحدي البقاء. «كانت أمامهن خيارات عدة، فإما الاعتماد على التمويل الذاتي أو الاقتراض من البنوك، وكان الخيار الأول»، كما تقول رئيسة الجمعية، دعد إسماعيل.
من سهل رأس العين وبساتينه، تشتري الجمعية المواد الأولية: الخضار والحبق للمخللات، ومعجون الطماطم ورب البندورة والفليفلة والحمضيات والفواكه للمربيات والعصائر، والأعشاب البرية للمقطرات.
كما تبرع أحد الأهالي بقطعة أرض في خراج البلدة تمتد على مساحة ثمانية دونمات دعماً للجمعية التي استعانت بمزارعات من البلدة لزراعتها والاهتمام بها بغية استخدام منتجاتها في التصنيع.
خلال عام واحد، ثابرت النساء واشتركن في معارض عديدة في المنطقة «إلى جانب مساهمة أهالي البلدة بدعمهن عبر شراء المنتجات وترويجها، ما مكّنهن من سداد الديون وشراء مواد جديدة» بحسب إسماعيل. إلا أن عدوان تموز عاجلهم بضربة قاسية دمرت مركز الجمعية وأحرقت المزرعة ونشرت فيها القنابل العنقودية. ولكن، بعد جولة جديدة من إعادة ترتيب الوضع الداخلي والمادي، سرعان ما استؤنف العمل.
ويستند إقبال الناس على شراء منتجات الجمعية إلى ثقتهم بصحة المواد المستخدمة في التصنيع وسلامتها. وتوضح إسماعيل أن الخضار والفواكه المستخدمة «لا تدخل أدوية المبيدات الضارة في زراعتها أو العناية بها». فبالنسبة لأنواع البرتقال والحامض التي يشترينها من بساتين البلدة، تتفق النسوة مع عدد من المزارعين على عدم رشها أو ينتظرن «الموسم الرجعي» للتأكد من سلامتها. كما تخضع جودة المنتجات وصحتها للمراقبة والكشف كل ثلاثة أشهر من مؤسسة liban cert للمنتجات العضوية.
وتعترف سيدات الجمعية بارتفاع كلفة المنتجات العضوية الصحية بالنسبة للكثيرين، ما يجعلها بمتناول المقتدرين منهم فحسب، بينما يشتكين من كلفة المواد الأولية الباهظة التي تضطرهن لبيع المنتج النهائي لاحقاً بسعر أغلى من المنتجات العادية، بغية رد الكلفة والربح. كذلك، يتحدثن عن «منافسة غير عادلة مع أصناف المأكولات التي تباع في الدكاكين والسوبر ماركت، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الناس الذين لا يدرك جزء كبير منهم أن الأمراض المميتة التي تصيبهم سببها نوعية المنتجات التي يتناولونها»، ولا يغفلن الحديث عن «الفوضى التي ضربت قطاع تصنيع المنتجات العضوية التي حوّلها البعض إلى موضة وتجارة بغية الربح فلم تعد صحية». ولمزيد من التمايز، «روجت الجمعية لملة السميد في معارضها ولدى زبائنها، إلى أن شاع ولاقى استحساناً» كما تؤكد إسماعيل، حيث أصبح هذا الصنف نقطة التمايز للتعاونية ولأهل البلدة، ويباع حالياً، إلى جانب المقر، في ثلاثة محال كبرى في بيروت متخصصة في بيع المنتجات العضوية، كما يسوّق أيضاً في إيطاليا وجنوب أفريقيا وبلاد الاغتراب على يد المغتربين من أبناء البلدة ومجموعة العمل التنموي المحلي ومعهد ايانباري الإيطالي الذي تجمعه بالجمعية اتفاقية تعاون.
أما آخر مشاريع الجمعية، فهو الاتفاق مع منظمة العمل الدولية لدعم ثماني نساء مزارعات من البلدة عبر تجهيز قطعة الأرض التي يملكنها بالحرث والري وتأمين شتول الصعتر بإشراف مهندس مختص، والمساهمة لاحقاً في تسويق محصولهن في المناطق.