عاد ملف المفقودين في لبنان إلى الأضواء. مفقودو البحر تبحث الدولة عنهم، بكل إمكانياتها. أما مفقودو البر جراء «كارثة غير طبيعية» فما «في حدا لا تندهي ما في حدا»، ليبحث عنهم إلا ربما أهل الفقيد
قاسم س. قاسم
أعادت كارثة الطائرة الإثيوبية المنكوبة فتح جروح لم تندمل لأهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان. شاهد الأهالي تحرك الدولة المشكور للبحث عن مفقودي الطائرة، لكنهم تساءلوا لماذا لم تتحرك الدولة للبحث عن «مفقودي البر كما تبحث الآن عن مفقودي البحر» كما وصفتهم وداد حلواني رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان. هكذا، اجتمع أول من أمس مسؤولو اللجان المختلفة للمفقودين والمخطوفين على أنواعهم، في جامعة القديس يوسف ــــ كلية العلوم الإنسانية لـ«تسليط الضوء على حالات الاختفاء القسري في قبرص: خارطة طريق لبنان»، عبر استضافة كريستوف جيرو، ممثل الأمم المتحدة في لجنة مفقودي قبرص. لماذا النموذج القبرصي؟ لأنه ببساطة مشابه للبنان إن من ناحية الوحشية التي ارتكبت فيها عمليات الخطف أو من عمر بدء المأساة منذ عام 74. لكن هذه المرة القبارصة كانوا «أفتح» من اللبنانيين، إذ عملوا على حل قضية مفقوديهم ومخطوفيهم «حبيّاً» بين الأطراف المتنازعة القبارصة الأتراك شمالاً والقبارصة اليونانيين جنوباًن كما قال جيرو.
في قاعة إيلي أبو خاطر، طريق الشام، الذي كان خط تماس، كان الحضور شحيحاً. هكذا حضر ممثلو جهات دولية، بالإضافة لبعض «الأسرى المحررين» من السجون السورية، وبعض الباحثين. هكذا، استمع الحضور إلى جيرو عارضاً بالتفصيل «التجربة القبرصية» وطريقة عمل لجنة المفقودين هناك. فأبناء الجزيرة التي تبعد 20 دقيقة بالطائرة من لبنان، عانوا من الاختفاء القسري بعد صراعات دارت بين طرفي الجزيرة التركي واليوناني. لكن الفارق الوحيد بين قبرص ولبنان كما تبين من المقارنة، هو «توافر الإرادة السياسية للطرفين المتنازعين في قبرص لحل مشكلة المفقودين، والبحث عن جثامين الضحايا، التعرف عليها، وإعادتها إلى ذويهم» كما يقول جيرو. حدد جيرو الخطوط العريضة لما سماه النموذج القبرصي، فاللجنة التي هو عضو فيها تخضع لسلطة الأمم المتحدة وتضم ممثلين عن الجانبين التركي واليوناني. كما شرح آلية العمل لتوفير «السرية للشهود الذين يرشدون للمقابر الجماعية» لكن «دون توفير حصانة لهم» كما قال. أما ما سهل عمل اللجنة فكان إلى السرية المعتمدة للشهود، أنه ليست من مهمات اللجنة «لا تحديد كيف قتلت الضحية، ولا ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم قانونياً». هكذا، وبفضل الضمانات المقدمة اكتشفت العديد من المقابر الجماعية في قبرص، فسحبت الجثث منها وفُحص الحمض النووي لها في مختبرات الطب الشرعي الواقعة في المنطقة الفاصلة بين شطري الجزيرة، كما حددت هوية 200 جثة رغم مرور زمن طويل يفوق 30 سنة على دفنها، وكان لافتاً أن فقط 6 أو 7 حالات رُفعت فيها دعاوى. ثم تحدث مقرر اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان النائب غسان مخيبر الذي تمنى أن يعود «الاهتمام اللبناني بمعالجة قضية الاختفاء القسري مثلما يجري التفاعل بمعالجة قضية الطائرة الإثيوبية». معتبراً أن «السمة الطابعة لتفاعل الحكومة مع الملف الأول هي التجاهل أو إنشاء اللجان لطمس الحقائق». لكن نتيجة الضغوط «أدخلت خطة عمل في البيان الوزاري الأخير لالتزام لبنان النظر بإنشاء هيئة وطنية للمفقودين والذي لم تتفق الحكومة عليه بعد». ثم قرأ الأمين العام للمركز اللبناني لحقوق الإنسان ومنظم الورشة وديع الأسمر كلمة للسفير القبرصي في لبنان كورياكوس كورس الذي حضر بنفسه، واضعاً «خبرة قبرص في هذا المجال تحت تصرف الدولة اللبنانية» كما قرأ كلمة لرئيس فريق العمل بشأن الاختفاء القسري التابع للأمم المتحدة جيريمي ساركين، ليتحدث رئيس جمعية سوليد غازي عاد مطالباً الدولة اللبنانية القيام بجمع قاعدة معلومات (داتا) عن أسماء المفقودين وكل المعلومات المتوافرة عنهم. ثم روت حلواني رداً على سؤال بشأن المسار القضائي الذي تقوم به لجنة أهالي المخطوفين بما يتعلق بالمقابر الجماعية التي «اعترف بها» التحقيق الرسمي، فقالت إن القاضي حكم في موضوع مقبرة مار متر بالأشرفية ومقبرة حرج بيروت بتسليم المستندات المتصلة بالقضيتين للمحكمة، فسُلّمت التقارير الطبية بمار متر فيما القرار الثاني المتعلق بحرج بيروت في طور التنفيذ. يذكر أن هناك دعوى ثالثة أمام مجلس شورى الدولة من أجل الاستحصال على كامل ملف التحقيقات عملاً بحق المعرفة.