ريتا بولس شهوانتجرّ مأساة الطائرة الإثيوبية ذيولها في يومها العاشر، آل الخازن قرّروا إقامة جنّاز عن روح خليل دون انتظار جثته. بمَ يفيد الانتظار إن كان خبر الموت أكيداً؟ «بعد ما بيّن شي وما الهيئة رح يبين شي» يقول ابن عمته رشيد الخازن بحزن وأسى لـ«الأخبار». الجنّاز أمس لم تكن تنقصه إلّا جثة الراحل، التي لم تظهر بعد. المأساة مفتوحة. الجميع هنا. العائلة، الأهالي، الأقارب، الأصدقاء. لكن المنيّة لا تزال حتى الساعة صوَريّة، تأخذ فيها الصورة مكان التابوت، وبياض الزهر يحوّل المأتم عرساً، فالفقيد لا يزال في الرابعة والثلاثين، والبدل المادّيّ للأكاليل، وهي عادة اجتماعية عند المسيحيّين يكرّمون فيها الميت بالتبرع يوم الدفن للكنيسة، يصبح هدية العرس الوهمي. هنا في كنيسة مار سمعان ـــــ غوسطا، اختلط مشهد الفرح المصطنع بالحزن، الأبيض بالأسود. لم يقتنع أحد برحيل خليل الأبدي «خليل مش بالتابوت، ما في إثبات منطقي إنو مات» يقولون لك. فهو ما زال في منتصف ثلاثيناته. وابنه نامي لم يتخطَّ الثالثة عشرة بعد، وابنته ميرا التي كانت مختفية عن الأنظار، لم تُكمل دورة المراهقة! هل من المعقول أن كلّ شيء توقّف، وأن «أبو نامي» أصبح فقط «مفقود الطائرة المنكوبة»؟ نامي خليل الخازن، في يوم دفن والده الصوري، أراد ضرب الموت بعرض الحائط، فابتسم في وجهه. انسحب من صفوف العزاء، وجلس وحيداً لأكثر من ساعتين في الكنيسة، تارةً يضيء شموعاً على المذبح، وأخرى يتأكّد من صفّ الورد الأبيض، متلهّياً بشيء هنا وشيء هناك. تشبّثَ الابن بالمقعد الإمامي، يرفض البكاء حتى لو حارت دموعه تحت تأثير أسئلة تفقد معناها أمام وجه طفل بدأ يحلم بزيارة «ملاكه الحارس».

لم يكن ينقص الجناز أمس إلا جثة الراحل
تسأله عن الشوق، فيبتسم. تسأله عن اليتم، فيبتسم أيضاً. ماذا سيفقد نامي مع فقدانه الأب؟ الصديق، الأخ؟ يقاوم حشرية البشر الساعين إلى سلوك الطريق إلى قلبه، بالابتسام. يخيّل إليك أنه استبدل الدمعة بالبسمة، لكنه يبكي وهو يقول: «على طول بسافر مع الماما، ولا مرّة سافرت مع البابا. كان بدي كون معو»، ربما كانت تلك دمعته الأولى منذ أيام، فأصلاً لم يُعلَم بموت والده إلّا منذ بضعة أيام. ما زال تحت وقع الصدمة. يجلس وحيداً ليتأكّد من صحة خبر فقدانه. يهرب بخياله إلى تاريخ العائلة، وإنجازاتها التاريخية، يُخرجنا من «إطار» الموت، ينظر إلى إحدى الكاميرات التابعة لشاشة «أم تي في» التي نقلت الجنّاز مباشرةً، يتسمّر أمامها لدقيقتين، يشعر بدخول المعزّين إلى الكنيسة، يمسح دمعة خجولة. يركض سريعاً، تاركًا خلفه واجب التعزية. نامي مصرّ على ألّا يبكي!