حسين محسنكانت عينا الطفل تحدّقان متجمدتين بعربة المثلجات. عرفت أنه يدور حول العربة لأنه لا يستطيع شراء لوح منها، وأن اسمه مصطفى، أحد أطفال مخيّم برج البراجنة. أعادني المشهد إلى أحد الأفلام الوثائقيّة الذي يتناول أحوال العيش في أوروبا. في ذلك الفيلم، يظهر طفل سويدي، يشبه مصطفى كثيراً: طول القامة، الملامح، والشعر مسرّح بالطريقة ذاتها تقريباً. في أحد المشاهد، يروي إدموند تعلّقه بالحلويات الفاخرة التي اعتادها، والتي يُفترض أنها تفوق مثلّجات المخيم جودةً.
للحظة، أزعجني التناقض الطبقي. لماذا وجوده أصلاً بين طفلين يختزنان البراءة نفسها؟ لم أتعاطف مع إدموند. كانت يده غارقة في مثلجاته وليس ضائعاً حول عربة. فكرت في مصطفى وحسب. لا لأن الأول بعيد (كما أنني أحترم مواقف أشخاص سويديّين من القضية الفلسطينية)، بل لأنه يتمتّع بحقوقه. تعاطفت مع الفلسطيني بلا تردّد، لأنه فاقد لحقوقه البديهية. ذنبه الوحيد أنه يحمل جواز سفر فلسطينياً «افتراضياً». لم تقنعني يوماً المبرّرات التقليدية في السياسة والحرب والاقتصاد، التي قد تجعل طفلاً ما مذنباً بالفطرة. أشعر بأنني لا أفهم تلك المصطلحات الفارغة. لا يهمّني ذلك. ما شغل بالي في «لحظة المثلجات» تلك، هو أن يحصل الطفلان على الحلويات ذاتها والخبز ذاته. لا يبدو الطلب كبيراً. لكن التمييز الطبقي لا يرحم. قد تكون الشوفينية تضافرت مع العولمة، لقضم أطفال المخيّم.