اقتحم مسلّحون ملثّمون مسجداً في مخيم برج البراجنة، فجر أمس. الرصاص المنطلق من أسلحة المهاجمين جرح شخصين، أما أزيزه المتصاعد فأيقظ من كان نائماً من سكان المخيم والأحياء المجاورة
رضوان مرتضى
تجمّع عشرات المسلّحين أمام مسجد الفرقان عند المدخل الرئيسي لمخيم برج البراجنة، فجر أمس. المسلّحون المحتشدون لم يأتوا بقصد أداء الصلاة، بل جاؤوا «لاسترجاع مسجدهم» الذي يسيطر عليه أفراد «منشقّون» عن حركة الجهاد الإسلامي. اقتحم المسلّحون المسجد وطردوا الموجودين فيه، ثم تحصّنوا فيه باعتباره مركزاً لهم. مع انتهاء عملية الاقتحام، بدأت عناصر اللجنة الأمنية بالانتشار في أزقة المخيّم وأحيائه للحؤول دون تفاقم التوتّر.
الاقتحام الذي ترافق مع إطلاق نار كثيف لم يكن وليد مصادفة، بل يعود تاريخه إلى خلاف تنظيمي قديم داخل حركة الجهاد الإسلامي. كانت أبرز تجليّاته تقديم القيادي في الحركة وأحد مؤسسيها، عبد المعطي أ. استقالته في آذار 2008 اعتراضاً على عدد من الأصول التنظيمية داخل الحركة. وقد اتّبع خطاه نحو 80 كادراً من الحركة وقدّموا استقالتهم.
استمهلت الجهاد حتى بعد ظهر اليوم لحسم الخلاف
تطوّرت الأمور بعد قيام عناصر من استخبارات الجيش بتوقيف القيادي المذكور في سعدنايل بتاريخ 23/12/2009 بتهمة القيام بأعمال مشبوهة وتهريب إرهابيين حسب أحد البلاغات دون أن يُثبت ذلك بعد. اعتُقل عبد المعطي، وبرز إلى الواجهة خلاف بين من سيتولّى إدارة مسجد الفرقان. إذ إن هناك روايتين في هذا المجال، الرواية الأولى نقلها أحد المقرّبين من القيادي المستقيل الذي أشار إلى أن المسجد قد بُني بأموال عدد من المتبرّعين، أبرزهم شخص من إحدى الدول العربية تبرّع بمبلغ 380 ألف دولار أميركي، وآخر لبناني من آل العرب. من هذا المنطلق، يرى الكادر السابق في حركة الجهاد الإسلامي أن المسجد لا يخضع لأي جهة كانت، بل هو لجميع الفلسطينيين في المخيّم، مشيراً إلى أنه قد بُني على هذا الأساس. وذكر الكادر المنشقّ، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن مجموعته طلبت تأجيل بتّ أمر المسجد لحين جلاء ملابسات توقيف القيادي عبد المعطي، لكنه قال: «الحركة أصرّت، فلم نتوصّل إلى قرار نهائي»، مضيفاً أنه قد «جرى سابقاً محاولة اقتحام المسجد من قبل عناصر حركة الجهاد الإسلامي»، لكنّه لفت إلى أنهم كانوا يصطدمون بالقوّة الأمنية.
الرواية الثانية، نقلها مسؤول في حركة الجهاد الإسلامي، فرأى أن المسجد هو أحد مراكز الحركة، لكن «موقع المسجد الذي يقع ضمن نطاق سكن أشخاص، بعضهم منشقّ عن الحركة ولا ينتمون إلى القاعدة»، فرض أمراً واقعاً، ما سمح بسقوطه تحت سيطرتهم، علماً بأن هؤلاء الأشخاص المذكورين يملكون مؤسسة خيرية داخل المجمّع. ونقل المسؤول المذكور لـ«الأخبار» أن اجتماعاً عُقد بين الفصائل أول من أمس، «للاتفاق على عملية تسليم الجامع للحركة»، مقابل أن يحصل الأفراد المنشقّون، ومن بينهم غسان الأشوح على أتعابهم المادية. وقد اتّفق على أن يتم التسليم بعد صلاة العشاء، بحضور لجنة من الفصائل. لكن استخبارات الجيش استدعت غسان الأشوح صباح يوم الاثنين «للتحقيق معه»، فاتّهم أشخاص من آل الأشوح، حركة الجهاد بالوقوف خلف عملية التوقيف. أُخلي سبيل غسان مساء اليوم نفسه، لكن الأفراد المنشقين رأوا أن الاتفاق المعقود قد ألغي ورفضوا تسليم مفاتيح المسجد. وقد رأت حركة الجهاد الإسلامي أن من واجبها التحرّك لإعادة المسجد الذي تعود ملكيته لها في الأصل، فكان الاقتحام المذكور الذي أصيب خلاله شخصان هما: محمود أ. (13 عاماً) والشاب بلال ق. وقد ساد التوتّر في المخيّم طوال ساعات نهار الحادث، لكن الفصائل واللجان الفلسطينية في المخيم عقدت اجتماعاً موسّعاً بعد ظهر أمس، لمحاولة لملمة ذيول الحادث. وقد حضر غسان الأشوح الذي طالب بمبلغ 225191 دولار أميركي كتعويض بدل أتعاب للقبول بتسليم مفتاح المسجد. واستمهلت حركة الجهاد الإسلامي حتى الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم للموافقة أو الرفض.