افتتحت أمس جمعية «كفى عنف واستغلال» معرضاً للصور الفوتوغرافية تحت عنوان «وراء الأبواب». ليس مجرّد معرض ما افتتح أمس، هو باختصار قصص حيواتٍ بائسة عاشتها نساء معنّفات في البيت الزوجي، وخرجن منه بآلام لا يبدو أنها اندملت بعد. قصص مصوّرة لما وراء أبواب البيوت التي عاشت فيها الناجيات كل أنواع العنف
راجانا حميّة
تتزاحم الصور في القاعة الزجاجية في وزارة السياحة. صور سوداء موحشة لظلال أجسادٍ ووجوه باكية. واجمة. خائفة. صور أخرى لأبواب بيوتٍ مغلقة توحي من الخارج بالأمان. لكن، ماذا خلف تلك الأبواب الموصدة؟ تجيب جمعيّة كفى عن السؤال بمعرض صور بعدسات نساءٍ عشن خلف هذه الأبواب أسوأ أنواع العنف والتعذيب... والموت.
«ما وراء الأبواب» هو أكثر من مجرّد معرض صور، هو قصص حيواتٍ انتهت خلف هذه الأبواب، وأخرى لا تزال عالقة بين جدرانها غير قادرة على الخلاص.
أكثر من سبعين صورة بعدسات ناجياتٍ من «العش الزوجي». لكل منهنّ قصّة ترويها بصورة، من دون التجرؤ على ذكر الاسم أو ذكر تفاصيل قد تدلّل على هويّتهنّ. لكن، نظرة واحدة كفيلة باكتشاف الناجيات من بين جموع النساء «المتلصّصات» على تفاصيل حياتهن البائسة المعلّقة على جدران القاعة الزجاجية.
«ما وراء الأبواب» هو أكثر من مجرّد معرض صور، هو قصص حيواتٍ انتهت خلف هذه الأبواب
واحدة منهنّ فقط تجرأت على ذكر اسمها. وضعته أعلى صورها بالخط العريض: ألماظة حوراني، وإلى جانبه رسالة إلى «النساء الصامتات»، تدعوهنّ إلى «الاقتصاص من الرجال المعنّفين»، وإلى «الناس»، تكتب فيها قصّة «موسى أبو الياس الذي سرق الحياة مني ومن أولادي الذين هم أيضاً أولاده، إضافة إلى ممتلكاتنا». في إحدى صورها، يظهر «المدعو موسى»، كما تسمّيه الآن، نصف عارٍ بملامح غاضبة. هذا ما نراه في الصورة، لكن ما تراه «الناجية» أبعد من ذلك بكثير. تذكّرها تلك الملامح بصورة الرجل الذي شرّدها وطفلتيها منذ خمس سنواتٍ من البيت إلى «بيوت الناس». تكثر الشبابيك في صور حوراني. أما السبب، فهو «أن موسى كان يقف خلف الشباك عارياً ليلاً ليخيفنا».
ينقلب الشباك في صور حوراني باباً في صور الناجية الأخرى. خلف هذا الباب، ضُربت خديجة وأطفالها الأربعة بجميع آلات التعذيب من «كهربا وقشاطات وضرب بالحيطان وتغسيل رؤوسنا في المرحاض». آلات تعذيب في كل الصور، باستثناء واحدة تحوي ساعة حائط. عندما نسأل خديجة عن معنى هذه الصورة، تجيب بقصّة حدثت في شهر رمضان منذ خمس سنوات. في ذلك المساء، سألها زوجها عن طعام الإفطار، فأجابت «برغل ع بندورة»، فما كان منه إلا الرد على الجواب بـ«حفلة ضرب من الساعة السادسة مساءً حتّى الرابعة فجراً». يومها، نامت خديجة وأطفالها الأربعة في الحمام، وبقوا صائمين، بعدما منعهم من الإفطار.
صورة أخرى لا تقل بشاعة عن آلات التعذيب. صورة لوجهٍ باكٍ لم يكن يبدو منه سوى اليدين اللتين تخفيانه. هذه الصورة لابنتها التي بات لها من العمر 16 عاماً. اختارتها هي دون غيرها لتروي حكايتها أيضاً. ففتاتها اغتصبها والدها في عمر الثامنة ورحل ليتزوّج امرأة أخرى وينجب فتاتين. اليوم، تحلم الفتاة بشيءٍ واحد «قتل والدها أو قتل ابنتيه»، تقول خديجة. تنهي قصّة ابنتها وتنادي علي «صغير العيلة». لا يعرف علي والده، فقد كان بعمر ثلاثة أشهر حينما غادرهم، ولكن «كمان أكل منّو توديعة أربعة كفوف على وجهه». بسبب هذه «التوديعة»، يكنّ علي الكره لوالده «لأن إخوتي يقولون إنه كان لا يحبنا وكان يضربنا». ماذا يتذكّر علي من الوالد؟ «الحمام، مطرح ما يضربنا»، يقول.
علي، خديجة، ألماظة وناجون آخرون نبشوا تفاصيل حياتهم في معرضٍ للصور الفوتوغرافية الذي افتتحته جمعية «كفى عنف»، أمس، في وزارة السياحة. ويأتي هذا المعرض ضمن إطار حملة «الستة عشر يوماً» العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة. وقد استغرق العمل على إنتاج تلك الصور حوالى عام، سبقه أربعة أشهرٍ من تدريب النساء على التصوير الفوتوغرافي.
وتخلل افتتاح المعرض أمس كلمات لكل من عقيلة وزير الداخلية والبلديات ليندا بارود، ممثلة اللبنانية الأولى وفاء سليمان والسفير الإيطالي غابريال كيكيا الذي أكد «أن إلغاء العنف ضد المرأة والطفل يتطلب التدخل على ثلاثة مستويات، هي: الحماية والتمكين والوقاية».