كثرت أعداد الشركات الأمنية وكثر معها انتشار أجهزة مختلفة قيل إنها لكشف المتفجرات. لكنّ تعقيد عمل هذه الأجهزة والشكوك حيال فعاليتها، دفع العديد من الخبراء إلى رفض قبولها بديلاً من الكلب... ماذا يقف وراء هذا الرفض؟
رضوان مرتضى
أصبحت أجهزة كشف المتفجرات من ضروريات الحياة في لبنان، لا سيّما بعد موجة التفجيرات الأخيرة التي عصفت به. إذ قلّما تدخل فندقاً أو مركزاً ما، دون أن تمرّ سيارتك في تجربة اختبار لهذه الأجهزة أو على الأقل تقع عيناك على إحداها. فترى رجل أمنٍ يقف مستقيماً، يحرّك قدميه رغم وقوفه، وفق آلية «مشية المرصوص» العسكرية. يحمل جهازاً أسود اللون، يخرج منه قضيباً معدنياً رفيعاً على شكل لاقط الراديو. يتحرّك هذا القضيب أفقياً في حال كشف أسلحة ومواد متفجرة، وفي حال وجود مواد مشتبه فيها يسار الشخص المشغل، فإن المؤشر سيميل إلى الجهة اليسار ويشير إلى المواد الممنوعة. أما عن كيفية حمل الجهاز فتشير الإرشادات إلى أنه يجب على حامله أن يمشي بطريقة يكون فيها القضيب المؤشر على الزاوية اليمنى للجسم.
يعرف هذا الجهاز باسم (أيه دي إي 651)، وهو الأكثر رواجاً في نقاط التفتيش، يتراوح سعر الجهاز الواحد بين 5000 و 45000 دولار أميركي. ويحصل مشتري الجهاز على كفالة صالحة لمدة سنتين، مع إيضاح بأن هذا الجهاز بحاجة إلى صيانة دورية.
بالإضافة إلى الجهاز المذكور، بدأت بعض الشركات الأمنية تستخدم جهازاً آخر يعمل وفق نظام البطاقة، أي إن لكل مادة من المواد المتفجرة بطاقة خاصة بها. يقال عن هذا النوع من الأجهزة إنه يستطيع اكتشاف المواد المتفجرة من على بعد كيلومترات عدة، وفي مختلف الاتجاهات. كما يقال إنه يستطيع اكتشاف المواد المتفجرة تحت الأرض فيصدر صوتاً منبهاً.
يرى عدد من العاملين في الشركات الأمنية، أن وجود هذه الأجهزة يمثّل مصدر تطمين لكثير من المواطنين، ويعتبرونها وسيلة لا بد منها لإشاعة الأمان في النفوس. ويرون أن هذه الأجهزة تسهّل عملهم، فلا يعودون بحاجة إلى تفتيش السيارات بكاملها إن لم يكن هناك إشارة من الجهاز، مما يوفّر عليهم الوقت والجهد. لكن هؤلاء لا ينكرون أنهم «يجردون» السيارة في حال الاشتباه بها عند إشارة الجهاز لجسم مشتبه فيه. أما عند العثور على الجسم المشتبه فيه، فيتصل رجال الأمن بوحدة الهندسة في الجيش اللبناني لتفكيك المتفجرة إن وُجدت.
يرى عاملون في الشركات الأمنية أن وجود الأجهزة مصدر تطمين لكثير من المواطنين
رغم الإيجابيات التي يتحدث عنها رجال شركات الأمن الخاصة، تبقى بعض الثغرات التي تعيق عملهم أحياناً، فالجهاز يعطي إشارة عند وجود زجاجة عطر. كما يتحرك القضيب المعدني باتجاه قارورة الإطفاء، وعندما تكون مسجّلة السيارة عاملة على الأقراص المدمجة. وبحسب أحد الخبراء، «الجهاز حسّاس إلى درجة كشف المواد الكيمياوية الداخلة في صناعة هذه المواد، لكنه لا يفرق بين الأسلحة والمتفجرات ومادة الـTNT».
الإيجابيات المذكورة التي رافقت ارتفاع نسبة انتشار هذه الأجهزة، لم تمنع التحاليل والمقالات من المجاهرة بعدم فعالية هذه الأجهزة، فاعتبرت أن الأموال الطائلة التي تصرف على أجهزة كشف المتفجرات تذهب هدراً، لأن الخدمات المقدّمة متخلفة. وكانت آخر هذه المقالات في صحيفة النيويورك تايمز، حيث نقلت عن خبراء عسكريين أميركيين أن أجهزة كشف المتفجرات والأسلحة غير نافعة ولا فائدة منها.
لكن مقابل القائلين بعدم فعالية أجهزة كشف المتفجرات، يبرز رأي مؤيد لهذه الأجهزة يبرر الأخطاء بالقول إنها تنجم عن المستخدم له، فيجب أن يستعملها شخص ذو نبض ثابت ودرجة حرارة ثابتة أيضاً. كما يتوجب على مستخدمها السير بضع دقائق من أجل شحن الجهاز، لأنه لا يعمل على البطاريات.
وبين معارض مؤيد لاعتماد هذا الجهاز، تبرز آراء خبراء جاءت وسطية إلى حدٍّ ما، ذكرت حسنات الجهاز وسيئاته. فقد ذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن هذا الجهاز يعمل على جاذبية أيون الكهرباء. ولم ينف المسؤول المذكور فعاليته، لكنه في الوقت نفسه رفض الأخذ الكلي بعمل هذه الأجهزة. لافتاً إلى ما اعتبره معوّقات تقنية في الأجهزة تمنع الاعتماد الكلي عليه، مؤكداً بذلك ما قالته الشركات المنتجة: «يجب الأخذ بالاعتبار الشخص المشغّل، الذي يجب أن يكون مرتاحاً وبدرجة حرارة جسم مستقرة، وأن يبتعد عن التوتر والحرارة قبل استخدام هذا الجهاز». لكنه، في المقابل، يلفت إلى نقطة قد تغيب عن بال الكثيرين: «يتعطل الجهاز أحياناً دون علم مشغّله، ويبقى يُستعمل»، مشيراً إلى إهمال الصيانة الدورية المطلوبة لضمان حُسن عمل الجهاز.
لا يخفي المسؤول الأمني تقديره للتكنولوجيا، لكنه يرى أن هذه الأجهزة مساعدة ولا يمكن الاعتماد عليها اعتماداً كلياً. فيعتبر أن قدراتها لا تزال قاصرة في هذا المجال، إذا ما قورنت بقدرة الكلب البوليسي الذي أثبت أنه الأفضل عالمياً.


أجهزة... عديمة النفع أم لا بديل منها

يذكر محامٍ أنه دخل إلى أحد الفنادق في بيروت. ويشير إلى أنه كان يحمل قطعتي سلاح في سيارته، «كلاشنيكوف ومسدس حربي مع الذخيرة». ففوجئ بأن جهاز كشف المتفجرات المستخدم لم يعط أية إشارة. وكانت النتيجة أن الحراس لم يكتشفوا الذخيرة الحربية في السيارة. لذلك يطرح كثيرون تساؤلاً عن جدوى هذا الجهاز إن لم يكتشف قطعة سلاح.
يشير عامل في شركة بيع هذه الأجهزة، إلى أن «الجهاز ذا القضيب المعدني، عديم الفائدة لكنه ضروري لأنه يعطي إشارات معنوية تسهم في طمأنة المواطنين»، ويضيف : «فعاليته، إن لم تكن أقل، فهي تساوي فعالية كاشف المعادن. الشخص المذكور يطرح جهاز (Explosive Detector) بديلاً فعّالاً لكشف المتفجرات، لافتاً إلى أن سعره يبلغ 25 ألف دولار أميركي.


لقطة

الكلاب المدرّبة لشم المتفجّرات تعطي نتائج أفضل من هذه الأجهزة، لكن رأياً آخر يقول إن تفتيش السيارات بواسطة الكلاب عملية بطيئة، بينما أجهزة الكشف تحتاج بضع ثوان فقط للسيارة الواحدة. كما يشير الرأي المذكور إلى أن عمل الكلاب يتأثر بالطقس، فالكلب يعمل في الشتاء أكثر من الصيف. كما يجب الأخذ بالاعتبار أنه مقابل كل ساعة عمل، يحتاج الكلب للراحة ليستطيع القيام بعمله على المستوى نفسه. ويطرح أصحاب هذا الرأي استفهامات عن إمكانية اعتماد الكلاب المدرّبة على الأرض. فإذا ما أُخذت المعطيات المذكورة بعين الاعتبار، يكون من المستحيل جعل الكلب خياراً، فعندها ستتحوّل نقاط التفتيش إلى محميات صغيرة للكلاب، تصبح فكرة بناء فنادق للحيوانات ضرورة.