بحلول هذا المساء، تكون شعلة كوبنهاغن جاهزة للتسليم إلى عمدة مكسيكو سيتي. وإذا لم تحصل معجزة ما عبر تنازل الدول النامية عن حقوق مكتسبة لها، فسيذهب العالم إلى جولات من المفاوضات المملة في المكسيك عام 2010
علي درويش
يحبس الجميع أنفاسهم، بانتظار ما سيتمخّض عنه مؤتمر كوبنهاغن الذي يختتم اليوم، رغم تأكّدهم من عدم التوصل إلى اتفاق جذري لحل مشكلة الاحتباس الحراري، وتطلعهم منذ الآن نحو الاجتماع المقبل الذي من المفترض أن يعقد عام 2010 في المكسيك، لاستكمال المباحثات العالقة. نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور، بطل ومنتج فيلم «الحقيقة غير الملائمة» الذي تناول قضية تغيّر المناخ فأكسبه شهرة وشعبية كبيرين، نصح الدول بالذهاب باكراً إلى المكسيك في حزيران 2010 للوصول إلى اتفاق (والنصيحة بجمل من عند عربان الصحراء!). هذا البطل هو ذاته الذي سبق أن أعاق تنفيذ الاتفاقية السابقة وبروتوكول كيوتو.
دي بور، أمين «الاتفاقية الإطارية لتغيُّر المناخ»، يلفت إلى الجهود الهائلة التي يجب أن تُبذل خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة، بينما تشدد الوزيرة هيديغارد على كلمة «إجماع» قد يأتي على حساب الفقراء الّذين لا يعرفون عن التغيُّر المناخي إلا نتائجه وآثاره السيئة. آخر عرض مالي حتى مساء الأربعاء كان 3,5 مليارات للغابات الاستوائية من اليابان، الولايات المتحدة، أوستراليا، فرنسا، النروج وبريطانيا خلال 3 سنوات، بينما قد تنفصل اليابان وتُقدّم وحدها 20 ملياراً إذا تم الوصول إلى اتفاق شامل. وإن كان ذلك غير كافٍ، إلا أننا نصلي وندعو من أجل المعجزة!
أمّا لبنان، البلد الذي صدَّر الحضارة (وفق الإعلان التلفزيوني) ولم يُبقِ شيئاً منها للاستهلاك المحلي رُبّما بسبب الأسواق المفتوحة لليبرالية الوعود الربيعية التي حظيت بثقة كل الأفرقاء السياسيين منذ عام 1993، والذي ينمو بمُعدَّل 8% لهذه السنة وفقاً لأرقام ونتائج حاسوب وزارة المالية الخاص الذي يتبجح بتجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية، لا بل يدّعي الاستفادة منها بكلام يتجاوز الدون كيشوتية بأميال؛ فقد شارك في مؤتمر كوبنهاغن لا لشيء سوى للمطالبة بالمساعدات. وهذا البلد الذي يتسوّل المساعدات دائماً على هامش المؤتمرات العالمية، قد سبق أن سدّد حتى الآن أكثر من 600 مليون دولار كتعويضات لمتعهدين نافذين وصاحب كسّارة من هنا، ولشركتي خلوي هناك، وأكثر من مليار دولار في الحملات الانتخابية الأقذر لشراء النفوس، لا يزال يركض هنا وهناك خلف الفتات، بينما تغتني مصارفه على الفوائد المخزية المراكمة على سندات خزينة الشعب.
وبما أن طلب المساعدات يقتضي دائماً تقديم مشاريع، فقد تقدم لبنان بمشروع إنتاج الكهرباء من الطاقة الهوائية، الذي يمثّل، منذ عشر سنوات على الأقل، مطلباً أساسياً للمناضلين التنمويين. واليوم، ورغم وجود إمكانية لتوفير 300 ميغاوات وفق قدرة الشبكة، إلا أن الإنتاج لا يزال ضئيلاً بسبب عدم ثبات الشبكة لجهة الانقطاعات المستمرة.
ومن هنا، المطلوب، على الأقل من النواب الـ122 مانحي الثقة، أن يبادروا إلى إقرار التشريعات المناسبة للطاقات المتجددة، كما يطلب من وزارة الطاقة أن تجد الآليات اللازمة لجعل الشبكة قادرة على استيعاب الطاقة الهوائية.
أما عن السيارات القليلة التلوث: فطبعاً تمثّل جزءاً من الحل. ولكن، لماذا المضي في إعاقة تجديد أسطول السيارات عبر الرسوم الجمركية المرتفعة التي تعيق استبدال السيارات القديمة الملوثة بأخرى حديثة تكون أكثر صداقة للبيئة؟
غير أن الحل الأمثل يبقى بتخفيف الاعتماد على السيارة الخاصة وبتفعيل النقل العام الذي يعتمد على آليات حديثة لا على خردة الأسواق المجاورة. كذلك، لا بد للحكومة من أن تبحث عن مصدر دخل لها غير البنزين إذا أرادت فعلاً تخفيف استهلاكه، بدل أن ترفع سعره.
أما عن البرك الجبلية، فهناك مشروعات كبيرة نُفِّذت في التسعينيات، فيما تباشر وزارة الزراعة حالياً بتنفيذ مشروع للغرض نفسه. وبما أن البرك الجبلية تخسر على الأقل 50% من مياهها في التبخر، فالأجدى البحث بكيفية تجديد طبقات المياه الجوفية وتخفيف الاستهلاك والحدّ من تسربات شبكة المياه نتيجة التآكل.
أما التحريج، فهناك 13 مليون دولار مرصودة في وزارة البيئة منذ سنوات لتنفيذه، علماً بأن تلك الوزارة ليست هي المخولة بهذا الموضوع الذي يدخل قانونياً ضمن مهمات وزارة الزراعة والمشروع الأخضر. هنا أيضاً يجب تصحيح الوضع القانوني.
هذا غيض من فيض التناقضات التي تحكم الساحة التنموية والبيئية في لبنان. القدرات البشرية موجودة وكذلك المال المحلي. كل ما يلزم هو الإرادة السياسية الصادقة وكفّ يد الفاسدين والمُفسدين، فهل يوفّر حضور المؤتمرات وحسنات المانحين الهزيلة وحدهما ذلك؟