مي ضاهر يعقوبالتصرف غير اللائق الذي قامت به إدارة صحيفة «النهار» في صرف أكثر من 55 صحافياً وموظفاً لديها بذريعة «العجز المالي»، من دون اعتماد معايير مهنية وأخلاقية في عملية الصرف هذه، فتحت مسألة الصحافة اللبنانية والديموقراطية والحريات على مصراعيها. لكن الإساءة إلى تاريخ هذه الصحيفة العريقة وإطلاق الكلام هواناً على صاحبها ورئيس مجلس إدارتها الأستاذ غسان تويني، بسبب الوضع غير السليم الحالي لـ«النهار»، يدخل في إطار الخلافات السياسية التي كانت قائمة في مرحلة الصراع اليميني اليساري في العالم. نعم، كانت «النهار» صحيفة ديموقراطية ونصيرة للحريات، على الأقل كما شهدتها وعملت فيها في مرحلتين، من عام 1973 إلى عام 2000، ومن عام 2006 حتى آخر شهر أيلول الماضي.
لقد كتب أسعد أبو خليل في «الأخبار» مقالاً عن «النهار» مستخلصاً فيه أنها لم تكن يوماً نصيرة للحريات. واستنسب الإشارة إلى واقعة وردت في كتابي «صحافية بثياب الميدان»، نقلاً عن تحقيق قمت به عن منطقة النبعة والعنوان الذي حمل عبارة أن الناس هناك «يتناسلون كالفئران»، الواردة على لسان إحدى الشخصيات من سكان النبعة الوارد في التحقيق، مع أني لست مسؤولة عن العناوين والمانشيتات التي كانت تعتمدها «النهار» والتي تعتمدها كل الصحف عموماً وعلى رأسها صحيفة «الأخبار» اليوم التي لا يبزّها أحد في العناوين المثيرة التي تحمل أحياناً أفكاراً أبعد وأقسى من النص أو الخبر المنشور.
عندما تركتُ صحيفة «النهار» للمرة الأولى عام 2000... ذهبت إلى القضاء. وقد ربحت الدعوى في مطلع عام 2004، وحكمت محكمة التمييز بأن الصرف كان «تعسفياً» وعلى «النهار» دفع التعويضات اللازمة مع مصاريف المحكمة، وهذا ما حصل. وفي تلك السنة وضعتُ كتاب «صحافية بثياب الميدان» راويةً فيه «قصة صحيفة في لبنان آمنت بالناس الطيبين كقوة تغيير ديموقراطية، فآمنّا بها، وعملنا على إبراز كل القضايا التي تهم هؤلاء الناس الذين آمنوا بدورهم بنا، ورفضنا كل أشكال الإحباط والتيئيس التي أحاطت بالوطن والمواطن من كل جانب حتى النهاية»...
نعم، هذه كانت صحيفة «النهار»، وهكذا عملنا تحت رايتها بتشجيع كبير من المعلم الكبير الأستاذ غسان تويني (عافاه الله وأطال عمره) وبإدارة «مدير التحرير» في تلك المرحلة الأستاذ فرنسوا عقل الذي كان يحمي «النهار» من الانحراف يمنة أو يسرة خارج الأصول الصحافية والذوق المهني، حريصاً على الكلمة المسؤولة وحرية صحافي «النهار» في نقل الحقائق كما يراها مناسبة على مقياس «ريختر» الموضوعية والتجرد والكلمة المسؤولة.