من ينقذ «الرجل في المكعّب» الذي اختار أن يتحمل خلال 3 أيام ما لن تستطيع الأجيال المقبلة تحمله: فإلى تطفل المارة على رصيف عين المريسة الذي استقبل المتطوع رامي عيد، سيتحمل الأخير ارتفاع مستوى المياه، حرارة مرتفعة، ندرة في الماء والطعام ليعرّف العالم بآثار تغيّر المناخ، فيما تتولى رابطة «إندي آكت» فضح الموقف العربي المعرقل لمفاوضات كوبنهاغن
بسام القنطار
منذ الثامنة صباحاً، اختار الناشط والمسرحي اللبناني رامي عيد (24 عاماً)، الدخول طوعاً إلى مكعّب شفاف مساحته 2X2 متر، وُضع على رصيف عين المريسة في بيروت. يعرف رامي أن المهمة التي اختارته لتنفيذها رابطة الناشطين المستقلين «إندي آكت» صعبة، لا بل تكاد تكون مستحيلة.
أُطلق على رامي لقب «الرجل داخل المكعّب»، حيث سيعيش لمدة 3 أيام، بدأت صباح أمس، وتنتهي العاشرة من صباح غد الأحد. يختبر رامي، خلال هذه الفترة، مختلف تأثيرات تغير المناخ، حيث سيكابد صراعاً مريراً مع ارتفاع درجات الحرارة، ونقصاً في الغذاء والماء، وارتفاع مستوى مياه البحر، ما يهدد بغرق كامل المكعّب حيث يعيش.
وتنظر «إندي آكت» إلى هذا النشاط على أنه يمثّل «بواقعية مفرطة» ما سيكون عليه مستقبل البشرية، إذا استمر ارتفاع درجات حرارة الأرض.
تتوقع المسؤولة الإعلامية في «إندي آكت» هبة فرحات، أن يستقطب هذا النشاط اهتمام الجمهور ووسائل الإعلام لأنه «فريد ومبتكر». وتضيف لـ«الأخبار»: «في السابق نظمنا العديد من الأنشطة عن تغير المناخ، لكن هذه القضية لا تزال بعيدة عن اهتمام الرأي العام العربي. وبقدر ما يعدّ البعض قصة رجل سيغرق داخل مكعّب، خيالية، إلا أنها تمثّل فعلاً حالة الرمزية لما يمكن أن يكون عليه مستقبل البشرية بعد سنوات. ورسالتنا من بيروت تقول إنه لا يزال لدينا وقت قليل باقٍ لنتفادى أن تصبح قصة «الرجل الأخير داخل المكعب» حقيقة واقعة.
وتشير فرحات إلى أن اختيار رامي عيد للقيام بهذه المهمة جاء بعد إعلان «إندي آكت» عبر موقع «فايسبوك»، وحُدِّدت شروط صارمة للمشاركة، وخصوصاً الالتزام الكامل بظروف العيش داخل المكعّب. وتلفت فرحات إلى أنه تقدم العديد من الناشطين للقيام بهذا الدور، منهم فتيات أبدين استعدادهن للقيام بهذه المهمة. وتضيف: «بالفعل اختيرت إحدى الفتيات، لكنها تراجعت لاحقاً، وبعدما أبدى رامي عيد التزامه الكامل، استُبعد المرشحون الآخرون. ورداً على سؤال: اعترفت فرحات بأن اختيار فتاة بثوب السباحة لتنفيذ المهمة، كان سيلفت الانتباه أكثر، لكن ليس لموضوع تغيّر المناخ. وتضيف أن القدرة على التحمّل لفترة طويلة أساسية، إضافة إلى حسّ وثقافة بيئيين، وهذه الصفات اجتمعت في رامي.
ويحتوي المكعّب الشفاف، المصنوع محلياً، على كرسي وطاولة وضع عليها تلفزيون وكومبيوتر شخصي ووصلة إنترنت ومروحة كهربائية، كذلك زُوّد بالطعام والماء. إلا أن هذا لا يعني أن كل هذه الوسائل ستبقى متاحة لقاطن المكعّب، فعند الثانية عشرة ظهراً قطع المتطوع الذي يتولى حراسة المكعّب ـــــ خوفاً من تطفل المارة ـــــ التيار الكهربائي، ما أدى إلى تعطّل المروحة، وبالتالي بات على رامي أن يبحث عن طريقة يتكيف فيها مع درجة حرارة مرتفعة في ظل انعدام التهوية. أما في الليل، فلا أحد يعلم!
اختار رامي أن يدون مذكرات أيامه الثلاثة داخل المكعّب من طريق الإنترنت. يرفض الحديث مباشرة إلى الناس، لكنه يردّ على اتصالات أصدقائه عبر هاتفه الخلوي. يكتب رامي على صفحته الخاصة على موقع «تويتر» http://twitter.com/Man_In_The_Cube تعليقات قصيرة ويتفاعل مع الذين يكتبون له ويسألونه عن شعوره بعد ساعات طويلة من الجلوس داخل مكعّب والتعرض لأشعة شمس عين المريسة التي لم تحجبها، أمس، أي غيمة رغم مرور ما يقارب شهراً على بداية فصل الخريف.
ومن التعليقات التي كتبها: «اقرأ الآن كتاب «Life of Pi» للكاتب يان مارتل، وأنا أدعوكم جميعاً إلى قراءته. وفي وقت لاحق كتب: «يبدي الناس حشرية عالية لمعرفة ماذا يدور هنا ولماذا أجلس في هذا المكعب وأنا معجب بردة فعلهم، رغم أنني لا أتحدث معهم مباشرة».
إضافة إلى «تويتر»، اختار رامي أن يكتب مذكرات مطولة على مدونة أنشأها على موقع «ورد برس» http://themaninthecube.wordpress.com. عند الساعة الثانية بعد الظهر كتب رامي في مدونته: «لقد مرت 6 ساعات. كل ما أستطيع قوله، أن الجو حار ورطب جداً هنا. بدأ المكعّب بالغرق، وسيزيد ارتفاع الماء بعد قليل. هناك القليل من الطعام والماء، وأنا أحاول التكيّف مع الأمر».
وعند الخامسة مساءً، كانت الماء قد غمرت ما يزيد على نصف متر من المكعّب، وصباح اليوم، إن سار كل شيء على ما يرام، سيبدأ رامي مرحلة جديدة داخل المكعّب، تمثّل ما يعيشه سكان الأرض الذين يتعرضون للفيضانات الناتجة من الأعاصير المفاجئة والقاسية، فيحاولون إنقاذ أغراضهم الثمينة وما بقي من طعام داخل منازلهم، لكن الفرق أن رامي لن يستطيع أن يغادر مكعّبه، كما يفعل آلاف اللاجئين المناخيين، وخصوصاً في مناطق الشرق الأقصى، فالمكعّب هو الأرض، لكن كما ستكون في حال الكارثة.
بدوره، يشير المدير التنفيذي لـ«إندي آكت» وائل حميدان إلى أن هذا الحدث هو جزء من المسار الموصل لحملة «350.org» التي ستتوج في 24 الشهر الحالي «اليوم العالمي للتحرك ضد تغير المناخ». ينظم خلال هذا اليوم آلاف الأنشطة، وتنسّق «إندي آكت» هذه الأنشطة في منطقتنا، لحثّ الحكومات على مشاركة فاعلة في مفاوضات قمة كوبنهاغن.
وهذه القمة هي واحدة من الفرص الأخيرة لإنقاذ الأرض من آثار تغير المناخ. حميدان العائد للتو من جولة المفاوضات التي جرت في بانكوك الأسبوع الماضي، أعرب عن استيائه من موقف المملكة العربية السعودية خلال المفاوضات. ويشير إلى أن الوفد السعودي يتمترس خلف دول مجموعة الـ77 التي تطالب بالمسؤولية المشتركة، لكن المتفاوتة، بين الدول الصناعية والنامية، في خفض نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة. ويضيف حميدان: «في بانكوك وفي كل الجولات السابقة تبقى تجارة النفط السبب الوحيد للحماسة السعودية، التي تبدو غير معنية بما سيحدث لسكان الدول العربية في حال استمرار تغير المناخ».


لا نستطيع شرب النفطhttp://www.cantdrinkoil.org يتضمن الموقع معلومات تفصيلية عن الأدوار السلبية أو اللامبالية للدول العربية، وخصوصاً الدول النفطية خلال مسار المفاوضات التي تديرها الأمم المتحدة للوصول إلى معاهدة جديدة بشأن المناخ تخلف معاهد كيوتو