فلسطين المحتلة ــ أماني خاطرمنذ زمن يا صديقتي وأنا أريد أن أطرح علیك بعض الأسئلة. لكنّني لم أجد فرصة مؤاتية كهذه. كنت أريد أن أسألك إذا كنت ما زلت تذكرین زمیلتك اليهودية التي سألتك ذات يوم: «لماذا تدرسون «التّناخ» أي التوراة الیهودیة رغم أنّكم تتعلمون في مدارس عربیة؟».
أتذكرين ما كانت إجابتك وقتها؟ قلت لها يومها إنّ «التناخ ضروري جداً».
هل احمّر وجهك حينها لأنّ جميع الموجودين كانوا یحدقون بك؟ أم لأنّك لم تكوني مقتنعة بما كنت تقولينه؟
هل تذكرین عندما طلب أحد المحاضرين في الجامعة أن یعرّف كلّ طالب منّا عن هویته بثلاث كلمات؟ هل تذكرين كيف تصرفت آنذاك؟ أشحت بنظرك إلى الأرض ظنّاً منك أنّه هكذا لن يستطيع أن یراك، فلا تضطرین عندها إلى الإجابة عن سؤاله.
هل تهربت وقتها من الإجابة لأنّه لا تكفيك ثلاث كلمات لتعریف هويتك، أم لأنّ ثلاث كلمات هو عدد كبير لتعریف هویة لا تملكینها؟ أعتقد أنه لم يهن علیك أن تقولي إنّك بلا هویة.
حسناً. هل تذكرین عندما جاءت إلى جامعتكم قاضیة من المحكمة العلیا لإلقاء محاضرة عن قضیة المساواة بین الرجل والمرأة «اليهودية» وسمح للجمیع بالأسئلة؟ هل تذكرين كيف كان زملاؤك «الیهود» فرحين لمجرّد أنّهم یقفون للمرة الأولى أمام قاضیة في منصب كهذا ولیس لأنه سمح لهم بطرح الأسئلة عليها؟
أتذكر جيداً كيف حاولت جهدك أن تفرحي مثلهم فيما كنتُ أطرح عليك السؤال التالي: «متى سیكون لنا محاضرة عن قضیة المساواة بین العرب والیهود؟». هل تذكرین كیف لذت بالصمت ولم تسألیها، بل آثرت الاحتفاظ بالسؤال لنفسك؟
هل لأنّك كنت تدركين خطورة سؤال من هذا النوع في «بلد دیموقراطي»؟ أم لأنّك كنت تعرفين الجواب وفضلت ألّا تسمعیه؟
هل أنشر صورتك وأنت في العشرین من عمرك؟ عندما كنت في الباص وصعد إلى جانبك جندي حاول بكل أسالیبه الفاشلة بدء حدیث معك. أتذكرين أنّه بعد ساعة، صعد ذاك الفلسطيني إلى الباص وتمنى لو أنّه لم یصعد إذ لم یبقَ أحد في الحافلة إلا ورمقه بنظرات اشمئزاز امتزجت بالخوف. أتذكرين كيف استغل الجندي الفرصة لیعبر عن رجولته وشهامته أمامك، قائلاً لك: «إیزي عربیم ملوخلخیم» أي «عرب قذرون».
تحدث الجندي معك بالعبریة، فهو لم یكن يعرف أنّك عربیة. ضحكت حینها، لأنّك كشفتِ قناعه، فقد عرفت أنّه عربي من لكنته العبرية الفاشلة!
حسناً أیتها الممثلة الصغیرة، هل أفضحك وأخبر ماذا فعلت عندما ذهبت إلى الجامعة لتستأجري غرفة. عندها طلبت منك صاحبة البیت الیهودیة أن تعرّفي عن نفسك، فقلت لها: «درزية». نعم. فأنت قد ولدت هكذا. بهوية كتب علیها «دورزيت»، أي درزية بالعربیة. درزیة ووراءها نقطة.
تلك النقطة التي تأتي بآخر الجملة لإنهائها وفصلها عما یأتي وراءها، أي فصلك عن تاریخك وأصلك وكیانك... حتى أنّهم لم یذكروا شیئاً بعدها.
هل تذكرین عندما سألتك صاحبة البیت تلك، إذا كان الدروز عرباً أم لا؟ فهي لا تؤجر للعرب، ولم تسمع عن الدروز من قبل.
هل تذكرين كيف لذت بالصمت؟ لقد أعجبتك الغرفة حینها... كما آلمك أن تكذبي.