يبدو أن علاقتنا تلازمها الرمال منذ بدايتها. في إحدى ثورات الغضب، انتفضت، وكسرت كل الساعات الرملية التي كانت تحيط بي والتي لطالما تأملتها في ساعات الانتظار. كسرتها، نعم كسرتها. لأنني لم أعد أحتمل دقات الساعة. قد تتفاجأون، إذ إن الساعة الرملية لا عقارب لها، لكن صدقوني، مع الوقت يصبح لانسياب الرمل ليس فقط دقات بل حتى «هدير».وماذا بعد؟ لا شيء. دخل الغرفة. خلع نعليه، داس على قطع الزجاج، فجرح قدميه. لم تسل دماءه، ارتدى البيجاما، استلقى، ثم غرق في النوم. نعم، طبعاً نسيت أن أخبركم أنه وسط كل هذه الرمال المبعثرة والزجاج المكسر، حدثني، لكن فقط ليسألني عن سبب عدم حياكتي طرف البيجاما الذي يحتاج للحياكة منذ العام الماضي. نام. ونمت.
لا، لم أنم. فلطالما سبّب أرقي، وأحياناً كان يشخر ليزيد من كآبتي.
وبالعودة للرمال، وجدتني محاطة بها من كل جانب. ومع أن رمال الصحراء تبدو جذابة على التلفاز، بانسيابيتها التي تدعوك للغوص داخلها، إلا أنها تصبح مقرفة جداً عندما «تصرص» بين الأسنان. ومع أن البعض ينصح بالعلاج عبر غمر الجسد بالرمال الساخنة إلا أن النوم وسط الرمال ليس سوى سجن، أو قبر... سمه ما شئت لكنه حتماً ليس بعلاج. أو لعله علاج يؤدي للجنون!
ولأنني إنسانة إيجابية وأرفض أن أواجه واقعي بسلبية، لجأت إلى برنامج TYRA على الإنترنت (كنت قد سمعت عن ذلك البرنامج. ورغم أنني اعتبرته فاشلاً، إلا أنني أود أن أشرح كيف أنني استعنت بكل النصائح عن «الحب» لأنقذ علاقتي، حتى تلك الموجودة في المجلات البالية المرمية في صالونات مزيني الشعر والأطباء). في ذلك البرنامج الذي يقدم نصائح عن الحب، أكّد الاختصاصي أن هنالك مسائل لا يمكننا تغييرها، وصعوباتها تفوق قدرتنا على التعامل معها، كمرض السكري مثلاً، لذا، علينا تقبلها والتعايش معها وعدم تعذيب الذات بالتذمر الدائم منها أو محاولة مصارعتها. حسناً، قد تكون علاقتنا الرملية مرضاً لا نستطيع معالجته، وعلينا، أو بالأحرى علي أنا تقبله واحتضانه بكل محبة. عظيم! ولكن، كيف يمكن احتضان علاقة تحيطها الرمال من كل الجهات ويخيم عليها العطش المميت أحياناً؟
اهتديت إلى وسيلة. سأحتفل بكل هذه الرمال على طريقتي. سأملأ قوارير صغيرة بالرمال الملونة وأكتب عليها أسماء العاشقين وأبيعها. أو قد أشارك في مسابقات النحت بالرمال. قد أشيد قصراً أو أنحت حوريةً أتمنى لو أكونها (لكني لم أتعلم يوماً السباحة، تخيلوا حورية مع «طواشات» أو طوق نجاة!). قد أحفر وأحفر لأجد كنز القراصنة الضائع فأنا لطالما أحببت Peter Pan. قد أستحضر ماري بوبنز كذلك، فوجودها قد يفرح أولادنا، لتعم السعادة أسرتنا الصغيرة.
الخيارات كثيرة جداً، لكنني كلاسيكية بطبعي. رومانسية ربما. لذا سأظل أحفر اسمينا في الرمال على أمل ألا تدوس عليه كعادتك عن غير قصد. لأنني ربما هذه المرة، بدلاً من أدفن رأسي بالرمال، قد أفرد جناحي وأطير إلى غير رجعة رغم أن وجود طفل معي سيصعّب حتماً التحليق. لكن لا بأس، فقد يكون طائراً هو الآخر، أو قد أتخلى عن رومانسيتي قليلاً ونستقل كلانا طائرة. تلك الطائرة حيث أحتفظ لك دائماً بمقعد إلى جانبي... حبيبي. هكذا أنا، شرقية بامتياز! إذا لم نقل غبية... أعرف!
حنين...