لا يحرم صائمو رمضان أنفسهم من حلوياته، فقد اعتادوا، على اختلاف مستوياتهم الاقتصادية، على تذوق الكلاج والقطايف رغم وجود فارق شاسع في أسعارها بين متجر وآخر. أما الأسباب، فعديدة ودسمة كالحلويات ذاتها
محمد محسن
قبل أن يذهبوا إلى دعوة إفطار عائلية، يتنافس المدعوون ضمنياً، على نوعية الحلويات التي سيحملها كل منهم بيده. يبدو واضحاً أن التركيز يكون على أمرين: اسم محل الحلويات وشكل العلبة أو الكيس الذي يغلّف دزّينة الكلاج، أو «القطايف» أو العثمليّة. هذا في أوساط الميسورين مادياً. أمّا بين الفقراء، حيث لا قدرة على شراء دزينة كلاج بسعر يفوق عشرة دولارات، فلا مجال للحديث عن «ماركات» حلويات عربية مشهورة، تغزو بيوتهم، لأن هؤلاء يبحثون عن الأرخص والأوفر دوماً. لكن، من يؤكد لزبائن الحلويات المرتفعة الثمن أن المادة التي يتناولونها، تختلف عن حلويات «عامة الشعب»؟ سؤال بديهي، تستدعي إجابته الدخول إلى مطابخ الحلويات في المحال الكبيرة، حيث الزبائن يحبون الحلويات مثلهم: مترفة. وكذلك إلى مطابخ المحال الصغيرة، التي تخلو من اليد العاملة الكثيرة الموجودة في المحال الكبرى. في سوق الحلويات الرمضانية، أشكال وألوان وفنون، تدغدغ عيون الصائمين، وتشهّيهم لدرجة أن كثيرين يهملون البحث عن تركيبة الحلوى التي يتناولونها، على قاعدة أنّها خرجت من محل ذائع الصيت.
الحديث عن الاختلاف بين حلويات المحال الكبيرة وتلك المعنية بإطعام الفقراء، يأخذك سريعاً إلى إحضار قطعة حلوى، وتشريحها واستخراج مكوناتها، إذ إن الفارق يجب أن يتمركز في هذه النقطة. العجينة، حشوتها من القشدة، حجم قطعة الحلوى، الزيت المستعمل للقلي، وكمية «القطر» الموجود فيها. تراوح أسعار السمن المستعمل في صناعة الحلويات الرمضانية بين عشرين ومئة دولار لـ«التنكة». لائحة الأسعار تكفي وحدها لإظهار الفارق في الطعم والنوعية بين المحال. لكن الكثيرين يقعون في الخطأ، حين ينسبون على الفور، «تهمة» استعمال مواد أولية رخيصة إلى المحال الصغيرة فقط. والسبب هو أن جردةً حسابيةً بسيطة، توصل إلى أنّ فارق السعر بين محال المناطق الراقية، ومحال المناطق الشعبية، هو فقط سعر الاسم التجاري والتعليب الفاخر، لا أكثر.
لكنْ أيضاً، ثمّة فارق حيوي يطال العلاقة بين الزبون وقطعة الحلوى. ففي بعض المحال، يشتد العجين وتصبح سماكته مخالفةً لأصول الحلويات الرمضانية، ومشابهة لسماكة البسكويت. وهو ما يعتمده بعض أصحاب محال الحلو الرمضاني، بينما يمنعه آخرون حفاظاً على زبائنهم. أما على مستوى الحشوة، فالفارق واضح بين المحال. لا يمكن الحسم قطعاً بهوية القشطة المستعملة. هكذا، تجد محال «راقية» تملأ قطع الحلوى بالقشدة المصنوعة من الحليب «المدعّم» بالنشاء، فيما تحافظ محال أخرى على مستوى القشدة الجيد، إذ يقتصر إنتاجها على الحليب فقط. هنا، يتلاعب بعض أصحاب محال الحلويات بنوعية القشدة، للتوفير، وإن تجنبوا استخدام القشدة الأرخص، «الملغومة» بالنشاء وطحين الفرخة، والتزموا بتلك الجيدة، فإنهم يخفضون من كميّاتها داخل حشوة القطعة للتوفير، والكلام في هذا المجال، يسري على محال كبيرة وصغيرة، مشهورة أو غير معروفة على حد سواء. وينسحب أمر الحشوة وتزويرها على المكسرات. في المحال الكبيرة يندر أن تتذوق فستقاً أو كاجو قديم الإنتاج أو ذا نوعية رديئة. لكن في بعض المحال التي تنشر صدور حلوياتها على الأرصفة، لا يبالي التجار بنوعية مكسراتهم، متّكلين على جهل بعض الزبائن بطعم المكسرات الأصلية. من يتصوّر أن جزءاً لا بأس به من الحبوب الخضراء على بعض الحلويات، ليس فتسقاً حلبياً؟ بل هو فول سوداني مقطع ومصبوغ بلون أخضر، يشبه لون الفستق الأصلي. ولا يمكن تجاهل «القطر» في هذه المعادلة. كيف لا والقطر يلعب دوره في لعبة الوزن. في محال كبيرة وأخرى مغمورة، تزيد كمية طبقات عجينة البقلاوة مثلاً من 14 كما هو مفترض إلى عشرين، ويؤدي تغميسها في القطر إلى زيادة وزنها، وبالتالي زيادة أرباحها، وهي طريقة لا يستطيع الزبائن أن «يقفروها».
هكذا إذاً، يصعب الحكم على محل بعينه، بحسب نوعية زبائنه أو حتى سعر حلوياته، أو حتى الشارع الذي فيه. وفي النهاية، يستخلص المراقب نتيجةً قوامها: الاسم التجاري المشهور لا يعني حلويات مصنوعة على أصولها، كما أنه ليس من الضرورة ربط البضائع الرديئة بالمحال الصغيرة. صحيح أن شكل الحلوى في مكان قد يكون مغرياً أكثر من شكلها في مكان آخر، لكن العبرة ليست في الشكل وحده، بل في الطعم، وخصوصاً أن جميع مواد الحلويات مستوردة من الخارج، كالكاجو البرازيلي والحليب الهولندي، والفستق الإيراني، إلا «الأكّيلة»، فهم لبنانيون.