زاد الحديث عن فيروس إ اتش 1 ان 1 من قلق نزلاء سجن صور. هناك، حيث يقبع 73 سجيناً، في ظروف صحية قاسية، يصبح السجناء معرضاً لزوار مبنى السرايا الحكومية في صور، فلا يفصلهم عنهم إلا الشباك العازل. يتألمون نفسياً أيضاً
صور ــ آمال خليل
سمع نزلاء سجن صور بفيروس إ اتش 1 أن 1 (يعرف بأنفلونزا الخنازير هناك) من خلال التلفزيون غالباً، ومن خلال ذويهم أحياناً. تعرفوا لاحقاً على المرض عن كثب، من خلال الفريق الطبي في مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، الذي نفذ أنشطة إرشادية عن أنفلونزا الخنازير في سجن صور، ومختلف السجون اللبنانية خلال الأشهر الثلاثة الماضية. لكن السجناء في صور تحديداً، وإن استشعروا خطورة الفيروس وسرعة انتشاره، إلا أنهم لا يملكون الوسائل التي تحميهم منه. أحد المسؤولين الأمنيين في سجن صور، رأى أن انتشار المرض أمر لا مفر منه قائلاً عنه «إن لم يدخل من الباب يدخل من الشباك».
واستفاض رجل الأمن ليشير إلى «أن نسبة انتقاله إلى سجناء صور باتت أعلى، وخصوصاً لدى السجناء غير المعزولين». وحاول الأمني أن يحلل الأمر من نواح طبية، فبدأ بالحديث عن الأهل خلال زياراتهم الأسبوعية، شارحاً أن الشبك العازل ليس كافياً «لأن الأهل والسجين يتنفسون الهواء ذاته». وتابع رجل الأمن عرضه لواقع السجناء، منبهاً إلى اختلاط هؤلاء اليومي بحراس السجن، الذين يحتمل التقاط أحدهم الفيروس من الخارج، فضلاً عن احتمال انتقاله عبر سجين أوقف حديثاً ونقل إلى السجن. وإذا كان شبح الأنفلونزا قد بدأ يحوم حول السجناء أخيراً، فإن سجن صور كان يشارك السجون الأخرى في كونه مرتعاً للأمراض التي يصاب بها نزلاؤه، خلال فترة محكوميتهم بسبب الشروط الصحية والبيئية المتدنية.
قد تكون الشمس في سجن صور أقوى أسباب الإصابة بالمرض. لا تزوره إلا أربع ساعات يومياً. تقف حدودها عند باحة النزهة الضيقة، ولا تدخل إلى الزنازين السبع، التي يتكدس فيها 73 سجيناً حالياً، بعد النقل المؤقت لسجناء من سجن تبنين الذي يعاد تأهيله. أما الأمراض التي يعانيها السجناء، فتتنوع بين الآلام في المفاصل وأسفل الظهر والشقيقة وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والتهابات في الأذن والجهاز الهضمي والجرب. وشدد مسؤول أمني لـ«الأخبار» على الحاجة الملحة «لاستحداث مستشفى خاص ملحق بسجون الجنوب يكون جاهزاً لاستقبال السجناء المرضى على وجه السرعة وفي أي وقت على غرار مستشفى ضهر الباشق أو الحياة»، مشيراً إلى حدوث حالتي وفاة بين السجناء بسبب التأخر في تأمين العلاج الطبي لهم في مستشفيات المنطقة بعد إصابتهم بذبحة قلبية». ويوضح أن هذه المستشفيات «تقدم لهم العلاج المطلوب لكنها تفرض إجراءات صارمة وطويلة قبل السماح باستقبالهم». أسئلة كثيرة يواجهها زوار سجن صور، عن فيروس إ اتش 1 ان 1، وعن الأمراض الأخرى. يُفترض أن السجناء، لا يعرفون شيئاً عن الخطة الصحية التي تريد وزارتا التربية والصحة العامة تنفيذها في المدارس عند بداية العام الدارسي، لكنهم يأملون أن تنضم وزارة العدل، أو الداخلية والبلديات، إلى هذا المشروع، لكن حتى الآن لم يصدر أي قرار عن الأجهزة المعنية، يلحظ مخاطر المرض وسهولة انتشاره بين السجناء.
توفي سجينان بسبب التأخر في تأمين العلاج الطبي لهما بعد تعرضهما لذبحة قلبية
يمكن الجسد أن يصمد أمام المرض أحياناً، لكن، من المؤكد، أن أقوى السجناء لا يمكنهم الصمود أمام الأذى النفسي الذي ينتابهم يومياً في سجن صور. السجن في الطبقة السفلية من سرايا صور ودوائرها الرسمية. يفصل باحة السجن عن المواطنين المترددين إلى الطبقة العلوية من السرايا، طبقتان من شبك حديدي يمنعان الانتقال من الباحة وإليها، لكنهما لا تحجبان عن المواطنين رؤية السجناء وقت نزهتهم، فيتحول الأخيرون إلى محتويات معرض دائم مفتوح أمام العامة. وبحسب أحد رجال الأمن هناك، فإن «علامات الاكتئاب تظهر على أكثر من سجين، كما أن من حمل معه هذه الحالة من الخارج، عانى من تفاقمها في السجن. اللافت في الأمر، أن سجناء صور هم من المحكومين بعقوبة أربع سنوات حداً أقصى، أو من الذين بقي لهم أربع سنوات من فترة عقوبتهم، كانوا قد قضوا سنواتها الأولى في سجون أخرى.
ليس هناك من موقوفين في سجن صور. الجميع محكومون، وذلك لعدم توافر آليات مخصصة لنقلهم من المحاكم وإليها، وربما لهذه الأسباب ينتمي أغلبهم إلى البلدات الجنوبية القريبة، إضافة إلى 25 سجيناً من جنسيات عربية مختلفة، فيما تتنوع التهم الموجهة إليهم، بين اغتصاب وقتل ومخدرات وسرقة.
مكان السجن قصة بحد ذاته. يقع في مبنى السرايا التاريخي الواقع في قلب مدينة صور القديمة. يجاوره ميناء الصيادين من جهة، وورش النجارة والدهان من جهة أخرى، فيما يصطف عدد من المقاهي والمحال التجارية حوله. هذا من الخارج، أما داخل مبنى السرايا، فلم تلحظ ورشة تأهيل المبنى وصيانته (التي دامت ثلاث سنوات وأنجزت قبل عام واحد) أن الطبقة السفلية «سجن»، بل إن دفتر الشروط التي وضعها المتعهد، بناءً على توصيات وزارة الأشغال العامة، شملت أعمال التبليط والدهان وبعض التصليحات الثانوية في المبنى كالأبواب والكهرباء، من دون أي زيادة في مساحة الغرف أو تغيير في تقسيمها. بقيت الغرف الضيقة والمعتمة على حالها. تعاني رطوبة شديدة ولا يدخلها الهواء، أو تراها أشعة الشمس. لم يتغير شيء. سجن من 5 غرف، لكل منها حمام واحد، تبلغ مساحة أكبرها (6.5 م × 6 م). لكن ذلك لا ينفي حصول بعض «التحسينات»، إذ بادرت بلدية صور أخيراً إلى تقديم أجهزة تلفزيون وصحون لاقطة ومراوح إلى الزنازين وغرف الحرس وآمر السجن، كما تبرع مواطنان للسجناء ببراد وغسالة أوتوماتيكية. بهذه التبرعات، صار السجن يشبه المنزل، ولا ينقصه سوى حبال لنشر الغسيل توضع في باحة السجن، بدلاً من تعليق النزلاء ملابسهم على النوافذ الضيقة التي لا تصلها الشمس وتحيط بها الرطوبة.
ثمة «امتيازات» خاصة بسجن صور، تميزه عن سائر السجون، إذ فيه مكتبة صغيرة ولائحة معلقة على لوحة الحائط تعدد الآلات الطبية التي تُستخدم داخل السجن (آلة ضغط، آلة لفحص السكري، آلة لفحص الأذن والأنف). لكن الامتياز الأكبر الذي يحظى به السجن، هو وجود مستوصف خيري تابع لجمعية كاريتاس على بعد أمتار قليلة. يمكن السجناء أن يتوجهوا كلما استدعت الحاجة لتلقي معاينة أحد أطباء المستوصف حيث يحصلون على الأدوية بسعر رمزي، فضلاً عن توافر طبيب أسنان دائماً وبكلفة متواضعة.


وزارة الأشغال تُفسد أعمال التأهيل؟

أشار مسؤول أمني إلى أن أعمال التأهيل التي أنجزتها وزارة الأشغال العامة «أضرت بالسجن الذي كانت مواصفاته أفضل بكثير قبلها». أكد المسؤول أن جمعية فرح العطاء «أنجزت ترميم السجن قبل شهرين فقط من البدء بورشة وزارة الأشغال العامة التي «كسّرت» وأزالت كل التحسينات التي نفذتها الجمعية بدءاً من الإنارة وألوان دهان الجدران وبلاط الإسفلت وصولاً إلى تأهيل الحمامات وتغيير أنابيب المياه وتأمين المياه الساخنة وتجديد الحنفيات والمراحيض والمغاسل».
لم تبق أشغال وزارة الأشغال من جميع ما أعطته فرح العطاء لسجن صور، سوى الخزائن. ويرد المسؤول الأمني سبب تقاطع الورش «لعدم التنسيق بين وزارتي الداخلية التي أعطت الإذن للجمعية، والأشغال التي كلفت المتعهد». لكن المسؤول الأمني، لفت إلى أن وزارة الداخلية «لم تبد حتى الآن نية استحداث مبنى آخر لسجن صور، علماً بأن بلدية حارة صيدا قدمت عقاراً (عام 2003) تبلغ مساحته 5 آلاف متر ويقع على تلة مار الياس، لبناء سجن مركزي في الجنوب. أكد المسؤول الأمني أن القرار كان متخذاً آنذاك، قبل أن ينام في الأدراج».